السبت، 4 أغسطس 2012

تلك العتمة الباهرة




في بيتنا كتاب

تلك العتمة الباهرة

لا اذكر بالضبط من الذي رشح لي قراءة هذه الرواية ، إلا أني قمت بتحميل نسختها الالكترونية وأرجئت قراءتها حتى أفرغ من الكتب التي تزدحم على رف " الكتب المقروءة حالياً ".

ذات يوم بينما كنت مستغرقة في قراءة رواية " فرج " لرضوى عاشور ، مرت عليا كلمة " تزمامارت " وهو اسم معتقل مغربي ، مورست ضد قاطنيه أبشع صور التعذيب الجسدي والنفسي ، وبقيت تلك الكلمة عالقة في بالي لفترة طويلة ، ولم أتصور أن هناك من كتب عن ذلك المعتقل البشع ، وأن تلك الرواية التي أرجئت قراءتها ما هي إلا رواية لأحد معتقلي ذاك السجن!

أثناء قراءتي لكتاب " خمس دقائق وحسب " لهبة الدباغ ، سارع بعض الأصدقاء بطرح نماذج أخرى وكتب شبيهة بهذا الكتاب منها: " القوقعة " للسوري مصطفى خليفة و" تلك العتمة الباهرة " للمغربي الطاهر بن جلون ، فتذكرت على الفور أن تلك الرواية موجودة بحوزتي ، وقررت البدء بها لأرى النموذج المغربي في الاعتقال والتعذيب.

وقد هالني ما قرأت ، كيف يُساق ضباط وجنود إلى انقلاب عسكري وهم لا يعرفون شيئا ، بل يعتقدون بأنهم في إحدى المناورات العسكرية الدورية ، هذا ما حدث بالضبط أثناء المحاولة الفاشلة لاغتيال العاهل المغربي الحسن الثاني في منطقة الصخيرات عام 1971م.

بعد أن تم اعتقال كل من شارك بالانقلاب ، قامت السلطات بإعدام كبار الضباط الذين قادوا الانقلاب ، أما صغار الضباط والجنود ، فقد تم الحكم عليهم بالسجن لمدة عشر سنوات في سجن القنيطرة ولكن سرعان ما تم نقلهم إلى معتقل تزمامارت عام 1972 م ، ليموتوا هناك ألف مرة في اليوم الواحد قبل أن يحصلوا على العفو الملكي في عهد العاهل المغربي الجديد محمد السادس عام 1991م.

كان عددهم 58 معتقلاً وبعد ثمانية عشر عاماً خرج من ذاك المعتقل 28 أسيراً بعد وفاة 30 آخرين!

إنه الجحيم نفسه .. يروي الكاتب الطاهر " والذي هوجم فيما بعد لصمته الطويل قبل كتابة تلك الرواية التي تفضح المأساة التي مورست بحق هؤلاء" ، يروي كيف مات 30 أسيراً .. ورغم أن الأسباب قد تعددت وأن الموت واحد .. إلا أن موت كل شخص منهم كانت صدمة وفاجعة مختلفة عن أختها ، فمنهم من مات بسبب الإمساك وأخر بسبب الإسهال ، وهناك من مات بعد أن أكلته الصراصير ، ومن مات مسموماً ببيوض الصراصير أو ملدوغاً من عقرب ، ومنهم من مات بعد أن قام بشنق نفسه أو من قام برطم رأسه في الجدار ، ومنهم من أصابه الجنون الذي أدى إلى موته فيما بعد ، والكثير من القصص المخيفة والمرعبة في ذلك القبر أو الحفرة التي وضع كل شخص فيها ، بحيث لا يدخلها النور أبداً ولا يستطيع المُعتقل أن يقف معتدل الظهر مما سبب لهم ضعفاً وآلاماً مبرحة في الظهر وفي المفاصل .. ثمانية عشر عاماً ، تخيل معي ، ثمانية عشر عاماً داخل قبر وأنت مازلت في عداد الأحياء ، أي ظلم وأي جبروت هذا الذي يدفع بإنسان ليقوم بتلك الأفعال الشاذة تجاه إنسان أخر لمجرد أنه أخطأ – مهما كان ذلك الخطأ – هل يستحق أن يعاقب بذلك العقاب ؟!

لطالما سألت نفسي هذا السؤال بعد انتهائي من قراءة تلك الرواية ، وصدق الكاتب حين قال على لسان والدة بطل الرواية " سليم " : " إني أعرف مقدار ما يستطيعه البشر إذا قرروا أن يؤذوا بشرًا آخرين".

فـتذكر أيها الإنسان إذا ما دعتك قدرتك على ظلم الناس ، فتذكر قدرة الله عليك.


رواية مرعبة ومخيفة بحق ولكنها جديرة بالقراءة ، للتحميل .. رابط مباشر من هنــــــــــا 


*****