الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

حنة


في بيتنا كتاب
حنة لـ / شيرين سامي


سعادتي لا توصف عندما يرسل أحدهم كتابًا ورقيًا لي كهدية، وهذا الكتاب له معزة خاصة في قلبي لأنه صاحبته الجميلة أرسلته لي من مصر وقد عملت ما باستطاعتها حتى يصل لي بالسلامة وقد كان.

عندما وصلت هذه الرواية ليدي كنتُ في غاية التعب والإرهاق، فقد كان يومي شاقًا وطويلًا وممطرًا ورغم ذلك حملت نفسي وذهبت قبل منتصف الليل بقليل لبيت أختي في مدينة أخرى حتى أحصل على الكتاب منها لأنها هي التي أحضرته معها من مصر، ورغم خطورة القيادة في الليل وخاصة أثناء هطول الأمطار الغزيرة إلا أنني أصررت على الذهاب والحصول على الكتاب وعدت إلى البيت منهكة ابحث عن سريري لأنام، لكني لم أتمكن من النوم فشرعت في القراءة حتى أوشك الفجر أن يطلع وأنا مستغرقة في قراءة الرواية.

كعادة شيرين في كتاباتها بدأت الرواية بداية قوية ومشجعة على القراءة وأنستني تعبي وإرهاقي وشدت انتباهي لدرجة جعلتني انتهي من قراءتها في وقت قياسي بالنسبة لي "خاصةً في الآونة الأخيرة" وهو ثلاثة أيام.

الرواية تتناول فئة معينة من النساء وهن الضعيفات المغلوبات على أمرهن، ولقد أعجبني طريقة شيرين في عرض مشاكلهن وأنا لا ألومهن على ضعفهن لأن هذه النوعية من النساء موجودة في محيطنا ومجتمعاتنا.

لغة شيرين سامي لغة شاعرية، تستمتع وأنت تقرأ لها، شيرين تكتب بروحها وليس بقلمها، هذا الكلام وهذه الكلمات لا تخرج إلا من شخصية مبدعة متدفقة لديها المزيد والمزيد مخبأ هناك في صندوق أسفل سريرها، وهي تشاركنا بالقليل فقط من كنوزها الدفينة، حتى أن أسلوب شيرين ،صدقني، سوف يجعلك تتغاضى عن اختلافك مع شخصيات أبطالها.

من الجلي أن لدى شيرين القدرة على وصف المشاعر الإنسانية وإيصالها للقارئ بكل سهولة ويسر، فهي تقرأ وتسمع وتسجل الملاحظات والأحداث اليومية وتحاول أن تستفيد منها في كتاباتها.

كما أن شيرين لديها القدرة الواضحة والسليمة على رسم لوحات المكان بإتقان، فأنت معها ترى الأماكن وتسمع الأصوات وتشم الروائح المختلفة.

مدى الصدق في نقل ووصف المشاعر يجعلك تتخيل أن الكاتبة تتحدث عن نفسها وهذه تبقى مشكلة من يعرف شيرين معرفة شخصية وبالتالي هي مشكلتي لأنني أكاد أعرفها معرفة قد تكون شخصية لذلك قد يحدث خلط بين شخصيتها الحقيقية وشخصياتها النسائية في رواياتها، ومن هنا تأتي نصيحتي لنفسي ولغيري من القراء بضرورة الفصل بين شخصية الكاتبة والشخصيات التي تكتب عنها، فهذه هي مجرد شخصيات وهمية صنعها خيال المؤلفة وليست انعكاس لصورة الكاتبة نفسها، لذلك يجب علينا أن ندرك نحن معشر القراء أننا نقرأ قصة من نسج الخيال وليس سيرة ذاتية.

ما لم يعجبني في الرواية:

أولاً الغلاف فللأسف لم يعجبني كثيرًا بخلاف غلافي روايتها "قيد الفراشة"أو كتابها الأول " كتاب بنكهة مصر"، فقد جاء باهتًا وغير لائق لرواية رائعة مثل "حنة"، هذا طبعًا رأي شخصي وليس الهدف منه التعميم.

ثانيًا الجملة الوحيدة التي لم تعجبني كثيرًا في الرواية هي أن حنة كل النساء وكل النساء حنة، فكرة التعميم لم تعجبني كثيرًا، ما ذكرته شيرين هو ثلاث نماذج من المرأة الضعيفة والتي تتعرض لظلم الرجل لكن أين هو نموذج المرأة القوية في الرواية والتي لا يهمها زمان ولا يكسرها رجل حتى أشعر معها بالتوازن، ورغم اعترافي بأن الرواية واقعية جدًا وأن النماذج التي ذكرتها شيرين هي نماذج حقيقية لكن اعتراضي فقط في التعميم وهو نفس اعتراضي على الانطباع الذي وصل لي من خلال الرواية وهو أن الفتاة المصرية تمنح جسدها بكل سهولة لأي رجل تحت غطاء ما يسمى بالحب وهذا أيضًا غير صحيح.

ثالثًا وأخيرًا، لا يوجد في الرواية أخطاء إملائية أو نحوية قاتلة لكن الهفوات الصغيرة التي تسقط من المدقق اللغوي كتصحيح التاء المربوطة والهاء واهتمامه فقط بالتدقيق النحوي شيء ينرفزني ويخرجني من حالة الاندماج في القراءة، هذه مشكلة شخصية عندي كـ امتياز ولا أستطيع تجاوزها تحت أي ظرف كان، اعتقد أنني أعاني من فوبيا الهاء والتاء المربوطة والله أعلم!

أما ما أعجبني من الرواية فحدث ولا حرج، الرواية كتلة من المشاعر والأحاسيس الإنسانية المتدفقة، انتقاء جميل للعبارات والجمل، توظيف رائع للشخصيات والأحداث، واستخدام تشبيهات وصور بلاغية في غاية الجمال وقدرة الكاتبة على شد انتباه القارئ وإجباره على التوقف عند جمل معينة في الرواية وعدم تجاوزها لأنها من الجمل التي تترك أثرًا في النفس عند قراءتها كما أنها تجبر القارئ على التقدم في القراءة بهدف المزيد من الاستمتاع بالنص ومحاولة استباق الأحداث للكشف عن النهاية والتي جاءت كمفاجأة غير متوقعة اعتقد بالنسبة لي وللكثير من القراء.

 كما أعجبني أيضًا توظيف التجارب الشخصية والاستفادة منها بعد نفي صفة الشخصية منها في البناء الدرامي للرواية وهذا ما فعلته شيرين عندما أدخلت تجربتها في دبي وأداءها للعمرة في صلب الأحداث.

كيف تعلم امتياز بأن الرواية قد أعجبتها ولمست شيئًا في روحها ؟ الإجابة هي عندما تقتبس امتياز العديد من فقرات الرواية وتشاركها مع أصدقائها على الفيس بوك ، وهذا ما حدث مع رواية شيرين الجديدة، فالرواية مليئة بالاقتباسات الجميلة والعبارات المنغمة التي تلامس شغاف القلب.

طوال قراءتي للرواية وأنا أقول بيني وبين نفسي: " الجميل لا يكتب إلا كل جميل"!

ولأنني تقليدية فقد أحببت النهاية التقليدية للرواية ، فأنا قارئة أحب أنه عندما انتهي من الرواية أكون قد اطمأننت على كافة الشخصيات فيها ومصائرهم، فأنا لست من هواة أو محبي النهايات المفتوحة التي تترك القارئ على مفترق طرق، أحب النهايات المُرضية لي ولأبطال الرواية نفسها ، أحب أن أغلق الصفحة الأخيرة وأنا مطمئنة كل الاطمئنان أن الجميع قد أصبح بخير أخيرًا.

شيرين صاحبة موهبة لا يختلف عليها اثنان، وفي اعتقادي لو استمرت على هذا المنوال لا استبعد أن تكون خليفة رضوى عاشور في الأدب الروائي المصري لذلك يجب عليها ألا تتقوقع داخل ما يسمى بالأدب النسائي أو الأنثوي بل يجب أن تتعداه لكل أنواع الأدب سواء التاريخي أو السياسي أو الاجتماعي.

أتمنى لصديقتي الكاتبة المتميزة المزيد من الإبداعات وفي انتظار جديدها على أحر من الجمر، فهي من المؤلفين الذين يسعدني اقتناء كل ما خطت أيديهم ويفرحني تزيين مكتبتي بكل مؤلفاتهم.


****

الخميس، 10 نوفمبر 2016

الانتخابات الأمريكية وفوز دونالد ترامب


الانتخابات الأمريكية وفوز دونالد ترامب

من خلال معاشرتي للأمريكان من أصدقاء وزملاء وجيران، أستطيع أن أتحدث بكل أريحية عن المشهد الأمريكي إبان فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية التي جرت بالأمس.

لم تكن النتائج صادمة للأغلبية الأمريكية على الأقل في المحيط الذي أعيش فيه، فالجميع هنا توقع فوز ترامب في الانتخابات سواء بفارق كبير أو صغير لا يهم، المهم أنه سوف ينجح في هذه الانتخابات على منافسته هيلاري كلينتون صاحبة السجل غير النظيف في التاريخ السياسي الخاص بها.

" لقد وقعنا في الفخ " جملة قالها عادل إمام في أحد أفلامه وهي نفسها لسان حال الشعب الأمريكي الذي يعتقد بأنه قد وقع في الفخ أو بمعنى أصح وقع بين المطرقة والسندان فهو في موقف لا يحسد عليه حيث يجب على الشعب أن يختار بين السيئ والأسوأ، والسيئ هنا هو ترامب والأسوأ هي كلينتون.

ولأن " اللي بيجرب المجرب عقله مخرب" وهو مثل فلسطيني مشهور، فالشعب الأمريكي قرر التصويت لصالح ترامب فهو جديد على الساحة السياسية وليست له سوابق أو سمعة سيئة في تاريخه باستثناء كونه " زير نساء " وهذا لا يهم الأمريكان كثيرًا فإنهم يستطيعون التغاضي عن هذه النقطة وخاصة إذا ما قورن بسوابق هيلاري كلينتون السياسية السيئة ، فهيلاري أو " كيلاري" كما يحب البعض مناداتها هي امرأ ة عجوز شمطاء كاذبة في نظر الكثيرين هنا، فلقد كذبت على الشعب الأمريكي في عدة مواقف سابقة خلال فترة تواجدها في البيت الأبيض كزوجة للرئيس بيل كلينتون في الفترة (1993-2001) وخلال تواجدها كوزير خارجية في عهد الرئيس "السابق" باراك أوباما في الفترة (2009-2013).

لذلك فهم يعرفونها جيدًا ولن يسمحوا لها بالعودة إلى البيت الأبيض مرة أخرى مهما كان الثمن أو بالأصح حتى لو كان الثمن هو فوز ترامب بالانتخابات.

كما أن الشعب الأمريكي عانى من القوانين التي تم سنها في عهد أوباما والمتعلقة بالرعاية الصحية وسن التقاعد ومشاكل اجتماعية واقتصادية أخرى لذلك فإنهم يرغبون في إعطاء الحزب الجمهوري الفرصة ليرون إذا كان قادرًا على حل هذه المشاكل أم لا.

ذهبت الغالبية الأمريكية للاقتراع بالأمس بعيون غائمة وقلوب واجفة خائفة من المستقبل الضبابي لبلادهم، كان هناك حالة من الترقب ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه، لم يكن هناك عرسًا ديمقراطيًا بل كان الأمر أشبه ببيت عزاء ، لقد رأيت الناس تغادر أماكن الاقتراع وهم متجهمي الوجه أو بالأصح بلا ملامح واضحة.

ومن الجدير بالذكر أن ما حدث هنا هو نفسه ما حدث بعد نجاح الثورة المصرية، فقد انحسرت الانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية بين مرشح الإخوان محمد مرسي وبين مرشح النظام البائد أحمد شفيق، وبالطبع كان الشعب المصري في موقف لا يحسد عليه ولم يكن أمامه إلا انتخاب " الأقل سوءًا" مع احترامي لمؤيدي كليهما.

ورغم الانقلاب الذي قام به الجيش المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي ضد محمد مرسي وعزله عن الحكم فأنا لا أتوقع نفس السيناريو مع ترامب، فالقوانين الأمريكية والكونجرس الأمريكي ومصلحة أمريكا العظمى قادرة على ضبط مسار ترامب السياسي دون تجديف خارج التيار أو خروج عن النص الأمريكي دون الحاجة لانقلاب أو خلافه.

لماذا ترامب وليس كلينتون:

عندما سألت بعض أصدقائي وجيراني وزملائي عن الأسباب التي دفعتهم للتصويت لصالح ترامب كانت الإجابة مشابهة لما ذكرته بالأعلى ومنهم من كان عنده أسباب أخرى مثل:

" لقد انتخبت ترامب لأنني على يقين بأننا كأمريكان نستطيع بسهولة أن نخرجه من البيت الأبيض بعد فترة الأربع سنوات من حكمه لكن بالنسبة لكلينتون لن نستطيع إخراجها " ولو بالطبل البلدي " من البيت الأبيض قبل انقضاء ثماني سنوات كاملة".

" لقد انتخبت ترامب رغم كوني متعاطفًا مع اللاجئين والمسلمين ورغم كونه شخصًا عنصريًا تجاه الآخرين لكنني متأكدًا بأنه لن يقوم بأي فعل جنوني أو عنصري تجاههم لأنه محكوم بمنظومة سياسية معينة ، فنحن دولة مؤسسات والرئيس هو فقط موظف في هذه المؤسسة وإذا اخطأ أو جانب الصواب هناك من سوف يردعه سواء من قيادات حزبه أو الحكومة أو الكونجرس الأمريكي".

" لقد صوتت لصالح ترامب لأننا في موقف لا نحسد عليه ، فعندما يتوجب على الشخص أن يختار بين السيئ أو الأسوأ فعليه أن يختار الأقل سوءًا، وهذا ما حدث".

" لقد أدليت بصوتي لصالح ترامب ، ليس حبًا فيه ولكن كرهًا في كلينتون!".

" أنا لست بمجنون حتى انتخب كلينتون التي تكن العداء لروسيا والتي يمكنها بغبائها أن تتسبب في حرب بيننا وبين الروس وهذا أحد الأسباب التي جعلتني انتخب ترامب حيث لديه علاقة ودية مع بوتين فنحن لا نريد خلق أعداء جدد لنا".

" أنا امرأة لكني لن انتخب كلينتون ومن المعيب حقًا على النساء أن ينتخبن كلينتون لمجرد أنها امرأة بغض النظر عن أخطائها وتاريخه السياسي القذر".

هذه عينات من أراء الأشخاص الذين سألتهم ولقد اشترك الكثير من الأمريكيين معهم في نفس الأسباب، هذا ما يحدث على أرض الواقع وليس كما تحاول وسائل الإعلام سواء العربية أو الأمريكية نقله للمشاهد.

الشعب الأمريكي شعب طيب وعاطفي ويشبه الشعوب العربية في كثير من الصفات، لكن ما يميزهم عنا هو ارتفاع منسوب الأخلاق في ضمائرهم وذلك بسبب ارتفاع سقف الحريات الممنوحة لهم والتي نفتقر إليها للأسف في مجتمعاتنا العربية.

ولنكن على دراية كافية بأن من انتخب ترامب ليس بالضرورة أن يكون عنصريًا مثله أو موافق على آرائه العنصرية تجاه العرب والمسلمين والأقليات واللاجئين، فمن انتخب ترامب قد انتخبه لأنه لا يريد لكلينتون أن تفوز، لذلك من الظلم والإجحاف اتهام الشعب الأمريكي بأنه شعب عنصري لمجرد أنه صوت لصالح ترامب.

" الكلام ليس عليه جمرك"  كما يقول المثل الفلسطيني المعروف، لذا دعوكم مما يتفوه به ترامب من كلمات ضد اللاجئين والمسلمين، فهو لا يستطيع أن يمنع المسلمين من دخول أمريكا ولا يستطيع طرد اللاجئين، ربما يتسبب بمزيد من التضييق على دخولهم لأمريكا لكنه لا يستطيع أن يؤذي أي مسلم أو لاجئ فأمريكا رغمًا عن أنفه بلد متقدم  يدعم الحرية الفردية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وهي ليست دولة من دول العالم الثالث.

أنني اعتقد أن عدو واضح صريح مثل ترامب أفضل ممن يرتدي ثوب الصديق وهو يكن لنا كل الكره والحقد الدفين، لذلك من المضحك أن نرى بعض العرب وقد شعر بالأسف لخسارة كلينتون للانتخابات ظنًا منه أنها أفضل حالًا من ترامب " ما أسخم من سيدي إلا ستي".

وأحب أن اذكركم ونفسي بما حدث عند فوز باراك أوباما عندما ظن بعض السذج منا أنه ولكونه أسودًا ومنحدرًا من أصول مسلمة فسوف ينصف المسلمين وينحاز لصفهم وهذا طبعًا ما لم يحدث بالمطلق واستمرت أمريكا في نهجها المتعارف عليه والمتبع منذ الأزل، وهذا ما سوف يحدث بالضبط مع ترامب سوف يتبع نهج السالفين ، نعم سوف يكون له بعض الأفكار المتطرفة أو الغربية لكن سوف يجد من يوقفه عند حده ويحجم شططه ويلجم جنونه.

إذن لا خوف من ترامب ولا خوف على أمريكا ومستقبلها(!) ولا خوف على العائلات المسلمة التي تعيش في أمريكا ولا على المهاجرين أو اللاجئين، كل ما في الأمر أن الشعب الأمريكي سوف يحظى برئيس غريب الأطوار لمدة أربع سنوات قادمة على الأقل، أما نحن كعرب فسوف نحظى بوجبة دسمة من الضحك المبكي وسوء الحظ، كما سوف يستمر دعم أمريكا المطلق لإسرائيل ولن تتغير نظرة الحكومة الأمريكية تجاه العرب والمسلمين لا إيجابيًا ولا سلبيًا بل سوف تبقى كما عاهدناها من قبل.

ارتاحوا وأعدوا كمية كبيرة من الفشار وأجلسوا أمام شاشات التلفاز وتابعوا تطورات الأحداث بصمت وشغف.

اطمئنوا لن يحدث شيءٌ جديد، فالأوضاع مستتبة، كل ما في الأمر أن صناعة " الكوميكس " سوف تزدهر قليلًا!!

ملاحظة متعلقة بالنص:

بعض أصدقائي الأمريكان عبروا عن أسفهم الشديد لي بسبب فوز ترامب، لكنهم فوجئوا بي عندما أخبرتهم بأنني غير آسفة وأنني لستُ حزينة أصلاً.

****


الجمعة، 26 أغسطس 2016

بالكندرة


بالكندرة

منذ فترة طويلة وأنا منقطعة عن الكتابة السياسية لأسباب شخصية لا أرغب في الخوض فيها الآن، لكن فيديو "بالكندرة"، أعزكم الله، قد أثار حنقي وغضبي من الحال الذي وصلنا له "قيادةً وشعبًا"، وعصفت برأسي التساؤلات، كان أقوها: "ما الذي أوصلنا إلى هذا المستنقع القذر الذي نحن به!؟"

في البداية، لا أدري إذا كان هذا الفيديو حقيقي أم مفبرك أم مبتور، فنحن في هذا العالم لم نعد نعلم ما هو الحقيقي وما هو المزيف وخاصة أنه أصبح هواية عند البعض فبركة الأخبار والصور وحتى الفيديوهات.

هذا الرجل الذي لم تظهر صورته في الفيديو المذكور والذي لا أعرف من هو وما هو موقعه في حركة فتح ، ذلك الموقع أو المنصب الذي خوّل له أن يتفوه بمثل هذا الكلام ، كيف يخرج ويتجرأ أن يخاطب الناس بهذه الطريقة الفظّة وغير الناضجة أو الواعية، أي نعم قد شعرت بداخلي أن هذا الكلام لربما خرج على لسانه كنوع من المزاح ولكن للأسف هذا النوع من المزاح ثقيل وغير مستساغ وغير مقبول مطلقًا وخاصةً في الظروف الصعبة التي نمر بها.

قبل فترة تداول مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من النشطاء الفلسطينيين فيديو للسيدة رجاء الحلبي مسؤول الحركة النسائية في حماس وهي على ما اعتقد زوجة القيادي في الحركة يونس الأسطل وهي تتحدث في إحدى برامج قناة الجزيرة وتجيب عن أسئلة اعتقد أنها واردة من المشاهدين، وكان أحد الأسئلة يدور حول تحولها من الفكر اليساري إلى الفكر الإسلامي ، وفي إطار إجابتها عن السؤال تحدثت عن وضع غزة قبل نشوء حركة المقاومة الإسلامية وأنه لم يكن هناك "فكر إسلامي في غزة قبل وجود حماس".

كان من الواضح أن الفيديو تم اقتصاص أجزاء منه ليخرج بالصورة التي خرج بها،  ولذلك لم أرغب في نشره على صفحتي بل بصراحة شديدة أزعجني رغم أني أعلم جيدًا كيف كان الوضع في غزة قبل وبعد حماس ، وأن المرأة قالت " فكر إسلامي " ولم تقل " إسلام " وشتان بين المعنيين ، لكن هناك من لا تعجبه حركة حماس فقام بنشر الفيديو ولسان حاله يقول انظروا إنها تتهم أهل غزة بالكفر والفسوق وأنهم لم يعرفوا الإسلام قبل مجيء حماس, وقد تستغربون من كلامي إذا قلت أن المرأة كلامها صحيح ولا تشوبه شائبة فهي لم تقل بأن قطاع غزة لم يعرف الإسلام قبل حماس بل قالت أن الحياة في فلسطين قبل حماس والشيخ أحمد ياسين كانت تسيطر عليها البساطة والفطرة بعيدًا عن التوجه الديني وهي تتحدث من منطلق تجربة شخصية لها وكيف تحولت من الفكر اليساري إلى الفكر الإسلامي وهي تقصد كما فهمتُ أنه لم تكن هناك حركة فلسطينية قائمة على المفهوم الديني والفكر الإسلامي قبل حماس ، فالحركات التحررية الفلسطينية كانت إما قومية أو وطنية أو علمانية ولم تكن هناك حركة دينية بالمفهوم السياسي أي حركة سياسية مبنية وقائمة على أسس دينية عقائدية.

وكان يجدر بمن نشر الفيديو ومن أعاد نشره أن يعودوا إلى اللقاء الأصلي مع تلك السيدة دون اقتصاصه بهذه الطريقة الفجة، ورأيي هذا ليس دفاعًا عن السيدة رجاء الحلبي أو أفكارها السياسية بل هو دفاع عن حقها في التعبير عن هذا الرأي وهذا الفكر وإن اختلفت معها فيه، لكن لا يجوز لي أو لأي شخص أخر الحِجر على وجهة نظرها لمجرد اختلافنا معها فكريًا أو سياسيًا، ولا يجوز لي بتر حوارها بما يخدم مصلحتي الحزبية أو الشخصية، فهذه ليست بأخلاق الشعب الفلسطيني ولا بأخلاق رجاله الشرفاء الوطنيين.

نعود لموضوع الكندرة، أعزكم الله، مثلما فعل مناصري حركة فتح وقاموا بنشر فيديو المرأة معلنيين عن غضبهم تجاه تصريحاتها واستنكارهم لوصفهم بأنهم لم يكونوا يعرفون " الإسلام " قبل الشيخ أحمد ياسين وحركة حماس ، قام مناصري حركة حماس بنشر فيديو " بالكندرة " معلنيين تشفيهم وسخريتهم من أبناء حركة فتح والذين سوف يجبرون على انتخاب مرشحي حركتهم ولو بالكندرة.

وهكذا دواليك ، هذا ينشر وهذا يفضح وهذا يشوه الحقائق ، وهذا يتهم ، وهذا يفتح دفاتره القديمة ، وهذا يقتص جمل وصور تخدمه في الدعاية له وتشوه الطرف الآخر في انتخابات البلدية ، نعم يا سادة يا كرام ، انتخابات بلدية ، كل هذا يحدث في انتخابات بلدية والتي من المفروض في أي عالم أو دولة متحضرة تكون قائمة على المبدأ الخدماتي وليس الحزبي ، بمعنى أن يذهب المواطن لصندوق الاقتراع وينتخب من يقدر على تقديم الخدمات الجيدة له ، ينتخب الشخص المناسب بغض النظر عن حزبه السياسي ، العمل في البلدية هو عمل خدماتي وليس تشريفي ،  لكن أن نحول هذه الانتخابات لانتخابات حزبية وأنه يجب على أبناء حركة فتح أن ينتخبوا مرشحي حركة فتح ولو "بالكندرة " كما يجب على أبناء حركة حماس أن ينتخبوا مرشحي حركة حماس ولو "بالقوة" وطبعًا البعض من سكان غزة ما زال يتذكر ما حدث في انطلاقة حركة حماس والأخبار، التي لا نعلم مدى صحتها من كذبها، التي انتشرت كالنار في الهشيم والتي تحدثت عن أن كل شخص يقبض راتبه من حكومة غزة عليه حضور الاحتفال هو وزوجته وأبنائه سواء أكان من المنتمين لحركة حماس أو المستفيدين من خدماتها في القطاع وذلك بهدف حشد أكبر عدد من الجمهور ردًا على مليونية حركة فتح ! وهذا الشيء ليس افتراءً كما أنه لم يكن مخفيًا عن الجميع بل كان موضع حديث الكل في تلك الفترة وخاصة بين أبناء العائلات الواحدة وبنفس المفهوم والطريقة التي وردت في الفيديو المذكور: "طالما أنت تقبض راتبك من حكومة حماس فيجب عليك أن تشارك في مهرجان انطلاقتها أنت وأسرتك بكاملها وإلا..".

وإذا صح هذا الكلام سواء الوارد في الفيديو أو الوارد على لسان بعض العاملين في حكومة حماس فهنا تكمن الكارثة لأنه يصبح لا فرق بين النهجين المتبعين للحركتين وهو الترهيب والتخويف وما أصعب أن تبتز شخصًا بحرمانه من لقمة عيشه التي تسد رمق أطفاله في أوضاع أقل ما يقال عنها أنها مأساوية مقابل أن يدلي بصوته لصالحك لمجرد أنك متنفذ ومتحكم بمصدر رزقه ، هذه خسة ونذالة لم نسمع بها ولم ترد في القاموس الفلسطيني من قبل.

ما الذي حدث لنا كفلسطينيين حتى نتحول لمسوخ يحاول كل شخص تشويه الآخر، المختلف معه فكريًا أو حزبيًا ،  بكل ما يملك من قوة وجبروت وكأن الآخر هو عدوه اللدود وليس ابن جلدته ، ما الذي حدث لنا كفلسطينيين حتى تتشوه أخلاقنا وتنحرف بوصلتنا بهذا الشكل المخيف والمرعب ، ما الذي حدث لنا كفلسطينيين حتى نفقد روح المنافسة الشريفة ، أين هو أدب المقاومة وأخلاق الثوار؟!

لا هذه هي تعاليم ديننا الحنيف ولا هي أخلاق رسولنا الكريم، ولا هي وصايا الشهداء والأسرى، ولا هي قواعد المسلكية الثورية التي تربينا عليها.

هذا الشخص الجاهل الذي يطالب أبناء حركة فتح بانتخاب حزبهم " بالكندرة " لأنه هو الذي يدفع لهم الرواتب كل شهر ، وكأنه اشتراهم بماله الخاص ويحق له أن يتحكم في رأيهم الشخصي وحريتهم في اختيار مرشحهم الذي يرون فيه استحقاق للمنصب، هو نفس الجاهل الذي أطلق الهاشتاج المستفز #كيف_صارت وكأنه يستغفل الشعب الفلسطيني في غزة من خلال قلب الحقائق والتزييف والإدعاء، وكأن هذا الشعب لا يدري كيف كانت الحياة في غزة وكيف صارت!

هذا الجاهل وأمثاله من الجهلة الذين يمسكون ميكرفون ويخطبون في جمهور من أبناء حركة فتح أو جمهور من أبناء حركة حماس هم المتسببون فيما آلت إليه أوضاعنا من تردي وانحطاط في فلسطين، تعصبهم الأعمى لأحزابهم وضيق أفقهم وضعف نظرتهم الشمولية للأوضاع المعيشية والاجتماعية والسياسية هو أحد الأسباب التي أدت إلى الانقسام الحاصل بين أبناء الوطن الواحد، والأدهى من ذلك أن هؤلاء الجهلة من الطرفين لهم جمهور واسع يُصفق ويٌؤمّن على كلامهم دون أن يُعمِلوا عقولهم أو يتدبروا أمورهم .

من المحزن جدًا أن نرى هؤلاء المأجورين لإفشال المشروع الوطني الوحدوي هم من يتصدرون المشهد الفلسطيني في الوقت الحالي بينما يقبع الشرفاء في الظل محاطون بهؤلاء المرتزقة الذين يعملون على إحجام دورهم وتقزيمهم بكل ما أوتوا من قوة وعنجهية خوفًا من أن يزيحوهم من فوق كراسيهم الملتصقين بها والتي يعتقدون أنهم سوف يأخذونها معهم إلى القبر.

سوف يذهبون إلى القبر يومًا ما لكن لن تصحبهم الكراسي بل سوف تصحبهم تلك اللعنات المختبئة في صدور هذا الشعب الذي يقاسي الأمرّين والذي ذاق على أيديهم عذابًا وويلاتٍ أشد من عذاب وويلات الاحتلال بكثير.

أتمنى من كل قلبي أن نترفع عن هذا الانحطاط السياسي ونمارس العملية الديمقراطية على أكمل وجه في الانتخابات سواء البلدية أو التشريعية أو الرئاسية ونحترم إرادة واختيار الشعب دون فرض أو وصاية من أحد، وندعم الفائز بغض النظر عن انتمائه الحزبي أو الفكري، بل ونساعده على العمل على خدمة هذا الشعب المغلوب على أمره الواقع بين المطرقة والسندان، ولا نعمل على إفشال الطرف الفائز بوضع المعوقات والعقبات في طريقه حتى نعاقب هذا الشعب على اختياره وكأننا نقول له: "تستاهل لأنك لم تنتخبني !"

ولنا في حرب غزة الأولى عام 2008 عبرة وعظة عندما قام عدونا بشن حرب شَعواء على غزة كان غالبية ضحاياها هم المدنيون من الأطفال والنساء والشيوخ وكأنه عقابًا جماعيًا للشعب بالدرجة الأولى لأنهم تسببوا في فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية في ذلك الوقت، وللأمانة رغم نتائج تلك الانتخابات الصادمة إلا أنها كانت عرسًا فلسطينيًا ديمقراطيًا بشهادة الجميع، العدو قبل الصديق والغريب قبل القريب، ومن المحزن ما آلت إليه الأمور بعد ذلك من تفكك وتصدع في البيت الفلسطيني الداخلي.

وهذا ما لا نريد حدوثه بعد الانتهاء من هذه الانتخابات، فلنبقى إخوة وشركاء مهما كانت النتائج، سواء أجاءت على هوانا أم لا، دعونا نتقبل الفوز برحابة صدر أو نتقبل الهزيمة بروح رياضية.

يا ولاة أمورنا من الطرفين المتنازعين، أتمنى منكم أن توقفوا هذه المهازل التي تشوه صورتنا كفلسطينيين كما أتمنى عليكم تغليب المصلحة الوطنية الفلسطينية على مصالحكم الفئوية والحزبية، وأرجو منكم أن تحترموا اختيار الشعب ولا تبتزوه ولا تساوموه على لقمة عيشه ولا تفرضوا وصايتكم عليه فهو تعدى سن الرشد منذ زمن بعيد وهو قادر على التمييز بين الغث والسمين.

ارفعوا أيديكم عن هذا الشعب المسكين وكفوا عن المتاجرة بدمه وقوته وساهموا في رفع سقف الحريات فالشعب خائف إذا ما انتقد هذا الفصيل أن تُقطع رقبته وإذا ما انتقد ذلك الفصيل أن يُقطع راتبه.

استقيموا وترفعوا عن صغائر الأمور وارتقوا يرحمكم الله ، ففلسطين أكبر من أحزابنا وأكبر من مشاكلنا الداخلية وأهوائنا الشخصية وعقدنا النفسية.

***


الجمعة، 29 يوليو 2016

الحب في زمن الكوليرا


في بيتنا كتاب
الحب في زمن الكوليرا
لـ / غابرييل غارسيا ماركيز


من الروايات التي خطفتني منذ أن سمعت اسمها لأول مرة في حياتي قبل عدة سنوات ، فلقد كان اسم الرواية يملؤني حنينًا لشيء مبهم لا اعرفه ، وقد حاولت عدة مرات الحصول على نسخة ورقية أو الكترونية منها لكني لم أوفق في ذلك.

وعندما توفرت النسخة الالكترونية لم تعجبني فقد كان الخط صغيرًا جدًا ، يؤلم عيني عند القراءة لذلك ارجأتها حتى يتم رفع نسخة جديدة منها تكون أفضل وبخط أوضح ، وقد طال انتظاري كثيرًا.

في كل مرة أجد قارئًا يتحدث عنها ويكتب ريفيو ، اشعر بنوع من الخجل أو الضيق لسببين أولاهما أن حاجز الخط الصغير يقف بيني وبين رواية عشقتها من اسمها واشعر وكأنني مقصرة في زيارة شخص أحبه منذ زمن طويل والثاني أنه كيف لي وأنا قارئة مخضرمة تفلت من بين يدي رواية عظيمة مثل هذه ، وهذا شيء معيب في حقي!

لذلك قلت في نفسي وأنا كلي تصميم على البدء بها رغم كل المعوقات: " يكفي يا امتياز ، لن اسمح لك بتجاوز رغبتي هذه المرة " وقررت الشروع في قراءتها فورًا.

هناك شيءٌ ما في الرواية يشدك منذ السطور الأولى ، يجعلك ترغب في المزيد وتبدأ في التهام سطر يتلوه سطر وهكذا حتى أنني فوجئت بنفسي وقد وصلت لمنتصفها في وقت قصير، وهنا توقفت لأخذ أنفاسي ، وتوقعت أن يكون هناك فيلمًا قد أنتج عن القصة وبالفعل بحثت عنه ووجدته وأمضيت بصحبته وقتًا رائعًا.

وعندما انتهى الفيلم عدت مرة أخرى لتكملة الرواية ، طبعًا الفيلم قد أحرق أحداث الرواية المتبقية لكن لا يهم ، المهم أني استمتعت بمشاهدته ومازلت مستمتعة بالقراءة.

عندما أغلقت الصفحة الأخيرة من الرواية ، شعرت بأن جمالها يكمن في أسلوب الكاتب المتقن وأيضًا يكمن في جرعة الرومانسية التي كانت بها ، واعتقد أن حاجتنا لمشاعر إنسانية صادقة مثل الحب والوفاء والحنين والأمل والشغف هو الذي يجعلنا نحب هذه الرواية ونعشقها.

تحكي الرواية عن قصة حب قُتِلت في المهد بين فلورينتينوا اريثا وفيرمينا داثا حيث تركته الأخيرة وتزوجت من رجل أخر هو خوفينال أوربينو ، ويقرر فلورينتينوا اريثا انتظار حبيبته لأخر العمر والعيش على أمل أن يموت زوجها ذات يوم ويتزوجها وعاش على هذا الأمل لـ 51 سنة وقد تحقق له ذلك بعد أن بلغ من العمر عتيًا.

جمال هذه القصة يكمن في شيئين : الأول قوة الأمل التي كان يتحلى بها البطل ويقتات عليها ، والثاني تفاصيل وأحداث الرواية نفسها.

الغريب أنني طوال الرواية اشعر أن البطل الحقيقي هو الدكتور خوفينال أوريينو وليس فلورينتينوا اريثا ومتأقلمة على هذا الأمر منذ البداية !!

من الأشياء التي أعجبني في الرواية وصف الأماكن والمعلومات المختلفة التي كان يسوقها الكاتب ويعرضها أمامي دون شعوري بإقحامها في الرواية إقحامًا غير مبرر، أما من الأشياء التي أزعجتني فيها هو الوصف الحسي المبالغ فيه لغراميات البطل بالإضافة إلى طول أسماء الشخصيات وصعوبة التمييز بينها ، وأيضًا تشابه أسماء بطلي الرواية فيرمينا داثا وفلورينتينوا اريثا.

عمومًا أنا سعيدة جدًا لأنني وأخيرًا انتهيت من قراءتها ووضعتها في رف " الكتب المقرؤة " ، والآن لن اشعر بالخجل مرة أخرى عندما يقول أحدهم أنه قرأها ، ويبدي إعجابه بها أمامي!














*******




الأربعاء، 27 يوليو 2016

عشق وخيانة


في بيتنا كتاب
عشق وخيانة
لـ / منى ياسين


منى ياسين التي قرأتها في " خبايا نسائية " هي غير منى ياسين التي قرأتها في " عشق وخيانة " ، لقد شعرت منذ أول قصة في هذه المجموعة أن منى قد غيرت جلدها ، أصبحت أكثر تحررًا وأكثر جرأة في طرح وعرض المشكلات التي تعاني منها المرأة في المجتمع الشرقي.

كانت منى ياسين بقلمها النسائي المسنون جيدًا تجلد المجتمع بصورة قاسية وعنيفة ، تشعر بأن قلبها قبل قلمها يحمل الكثير تجاه هذا المجتمع المشوه للأسف.

منى التي رأيتها هنا تختلف اختلافًا كليًا عن منى التي رأيتها في خبايا نسائية ، والاختلاف يأتي في طريقة عرض المواضيع التي تتناولها ، ففي السابق كانت شخصية المرأة في كتابات منى ضعيفة وهشة وإن أدعت أنها قوية ، إلا أنها كانت تحاول أن تقاتل طواحين الهواء في غالبية نصوص " خبايا نسائية " لكن هنا نراها في "عشق وخيانة" قوية تأخذ زمام المبادرة وقد أصبحت منظمة بشكل أكبر ، ورؤيتها الأدبية أكثر وضوحًا ، تهاجم بشراسة فنية وكأنها تنتقل من مرحلة لمرحلة في تاريخها الأدبي.

لقد قرأت هذه المجموعة القصصية في جلسة واحدة تقريبًا ورغم ذلك عجزت عن كتابة ريفيو يليق بها رغم أنني قرأتها بصحبة زوجي والذي أبدى إعجابه بقلم الكاتبة وتناقشنا لساعات طويلة في مضمون عدة قصص منها: ردة الفعل ، وعشق وخيانة.

قلم منى قلم نسائي بامتياز ، ففي غالبية القصص كانت تتحدث بلسان الأنثى وعن المشاكل التي تتعرض لها الأنثى في المجتمع مثل مشاكل الزواج والخيانة الزوجية وقصص الحب الفاشلة والفراق والهجران والضعف في غياب الأم وقسوة الأب ، وبالمناسبة هي نفس المواضيع التي تحدثت عنها الكاتبة في كتابها الأول لكن هنا نرى كيف ناقشت منى هذه القضايا في قالب قصصي يختلف عن قالب الخواطر التي اعتمدت عليه في " خبايا نسائية" وهذا شيء يحسب لها.

من القصص التي أعجبتني ولفتت انتباهي: تماثل ، لاخترتم الواقع ، أب على الورق ، زجاجة عطر.

منى ياسين كاتبة مبدعة وموهوبة ، وأتمنى لها كل التوفيق في أعمالها القادمة.



******

الثلاثاء، 26 يوليو 2016

جوستين


في بيتنا كتاب
جوستين
لـ / الماركيز دو ساد


قبل أن ابدأ في الحديث عن هذه الرواية الثقيلة على القلب ، أحب أن أتطرق للحديث عن مؤلفها وهو الماركيز دو ساد والذي نال شهرة واسعة لميوله العنيفة وحبه لتعذيب وإيذاء الغير بهدف الحصول على المتعة ، وينسب للماركيز دو ساد مصطلح من أشهر مصطلحات الأمراض النفسية وهو " السادية ".

والسادية تعني الحصول على اللذة والمتعة عن طريق تعذيب الآخرين وإيذائهم نفسيًا أو جسديًا أو جنسيًا.

ولقد كتب هذا المختل العقلي والمنحل المريض هذه الرواية بينما كان يقبع في إحدى السجون أو في إحدى المصحات العقلية كما قيل.

في هذه الرواية ، يدافع الكاتب المجنون عن الشر ويسوق مبرراته ، وقد أعطى أبطاله الأشرار الحق في شرح وتبرير جنونهم وشذوذهم ومنحهم مساحة كبيرة من الرواية يبثون من خلالها سمومهم وقذارتهم ويدافعون عن أفعالهم المنحلة وتصرفاتهم الشريرة.

وفي المقابل لم يعطِ جوستين الطيبة البريئة صاحبة الفضيلة والعفاف نفس الفرصة أو المساحة لعرض رأيها أو الدفاع عن مبادئها بل جعل حجتها واهية ضعيفة باهتة وهي التي تدافع عن الفضيلة ليجعل منها أمام القراء محامية فاشلة تدافع عن قضية خاسرة ، وقد كانت رسالته التي حاول إيصالها واضحة وهي أن الشر هو من ينتصر في النهاية ولا مكان للخير في هذا العالم.

طوال هذه الرواية يعرض لنا الكاتب رجال أشرار لا يمكن تصديق وجودهم ، فالعالم لا يخلو من الرجال الأخيار ، ولكن هذا الكاتب المجنون لم يلقِ بأحدهم في طريق جوستين أبدًا وكأنها الوحيدة  في هذا الكون التي تحمل الفضيلة في قلبها في عالم يغص بالأشرار فقط.

وقد صور لنا الكاتب غالبية نساء الرواية ، باستثناء مدام ديبو وامرأة أخرى ، كنساء مغلوبات على أمرهن ، ذليلات ، عاجزات عن الدفاع عن أنفسهن أمام هؤلاء الرجال الذين كانوا عبيدًا لملذاتهم الدنيئة وجعلهن يخضعن لسطوتهم وجنونهم في البحث عن اللذة الممنوعة والمحرمة ، كما حاول أن يثبت أن المرأة أيضًا إذا دعتها قدرتها على ظلم امرأة أخرى فإنها لن تفوت الفرصة أبدًا.

تشعر وأنت تقرأ أن جميع الأبطال في الرواية ينطقون بلسان واحد وإن اختلفت أسماؤهم وأعمالهم ، فهم يحملون نفس الفكر الشاذ ونفس الفلسفة المجنونة والتي حاول الكاتب الترويج لها ، هؤلاء الأبطال هم أنفسهم الكاتب المجنون السادي وينطقون بلسانه ويحملون فكره العقيم ويدافعون عن فلسفته الشاذة.

هذه الفلسفة المريضة التي يؤمن بها الكاتب حجتها ضعيفة وإن حاول الكاتب خداعنا وإيهامنا بأنها عكس ذلك ، فأنت لن تستطيع تصديقها لأنها تفتقر للمنطق ، فلا أحد يصدق أن جوستين البائسة تمضي في حياتها دون أن تقابل إنسان واحد صالح أو سوي ، وكأنهم غير موجودين في هذا العالم ، وهذا غير صحيح بالمطلق ، فالله عادل لن يرضى بهذا الظلم البين أبدًا ، كما أن الدنيا بها الشر والخير وهناك توزان بينهما ، وليست قائمة على الشر فقط ، فالحياة ليست هكذا أبدًا ، وحتى لو افترضنا أن ما حدث مع جوستين هو ابتلاء من الله ليختبر إيمانها ، فعلى الأقل يجب أن تأتي نهاية الرواية لصالحها ، فإن الله في النهاية يكافئ الصابرين والمبتلين بصبرهم على الابتلاء وهذا هو العدل.

لكن الكاتب هنا لا يؤمن بالله ولا بالعدل ، بل يؤمن بالشر المطلق ولذلك جاءت نهاية الرواية كما يريدها ويتمناها هو ، حتى وإن كانت تخالف الطبيعة أو المنطق ، المهم أن النهاية ترضيه وتشبع غروره وساديته.

وأخيرًا لست نادمة على قراءة هذه الرواية ، بل سوف تبقى عالقة في بالي لفترة طويلة رغم ضعفها من الناحية الأدبية ، لكنها تبقى تجربة خضتها ولن أنساها بسهولة.

اقتباسات من الرواية:






******



الاثنين، 25 يوليو 2016

عرائس الماريونيت


في بيتنا كتاب
عرائس الماريونيت
لـ / إلهام مزيود


بدايتي مع إلهام كانت منذ عدة سنوات وذلك عندما أجرت معي حوار صحفي لصالح جريدة المقام الجزائرية ، وقد لفت انتباهي في إلهام طريقتها في صياغة أسئلة الحوار المتميزة التي طرحتها عليَّ والتي أشعرتني بأنني أمام أديبة وليست مجرد صحفية تجري حوارًا تقليديًا.

وتمضي الأيام بسرعة وأجد بين يدي أول نتاج أدبي للجميلة الجزائرية إلهام مزيود والتي شرفتني بحصولي على نسخة خاصة من الكتاب كهدية.

في مجموعتها القصصية الأولى ، أبحرت بنا الكاتبة الشابة في رحلة أدبية وإنسانية شيقة وممتعة ، نجدها تارة تتحدث بلسان شيخ وتارة بلسان امرأة مهزومة وتارة أخرى بلسان رجل أضاع طريقه وهكذا تنوعت القصص واختلفت ولكن جمعها تدفقها الإنساني وغوصها في المشاكل الاجتماعية والنفسية التي يتعرض لها الجميع دون استثناء.

ومن القصص التي لامست شغاف قلبي : أحلاهما مر ، لقاء الزهايمر ، غربة ، أرقام خيالية ، بائع السعادة ، خلل نفسي ، عمى.

وهناك قصة لم أفهمها جيدًا لاعتمادها على اللهجة العامية الجزائرية وهي : النخاسة الحديثة.

وأحب أن أشيد باختيار الكاتبة لعنوان الكتاب فهو ملفت للانتباه ومناسب جدًا لمحتواه.

عامةً ، استمتعت بصحبة هذا الكتاب كثيرًا وأتمنى لصاحبته كل التوفيق فيما هو آتٍ.

إلهام مزيود أنتِ موهوبة ومبدعة يا صديقتي ، استمري وعين الله ترعاكِ.

اقتباسات من الكتاب:





*****