الخميس، 29 أكتوبر 2015

فرن الطينة


أمي في ألف كلمة وكلمة

فرن الطينة

لا أرى أمي إلا وهي جالسة بجوار المخزن تحت العريشة في الحكورة أمام فرن الطينة في إحدى صباحات كانون الأول والمطر ينهمر بغزارة ولسعات البرد تتعارك مع هبو الفرن في محاولة شبه ناجحة لتصل إلينا، تمسك بيدها المُصْنَاع وتحرك به الخبز البلدي داخل الفرن وتقلبه عدة مرات ثم تلقي نظرة خاطفة على جرة العدس القابعة في الأسفل والتي سوف تكون وجبة الغداء للعائلة في هذا اليوم الماطر ثم تحاول ترتيب أعواد الحطب المتوهجة ووضع المزيد من أعواد الخشب الصغيرة لتبقي النار مشتعلة.

وننشغل أنا وأختي التي تكبرني بعامين بتحضير البيض مع رشة خفيفة من الملح والفلفل الأسود ، كل واحدة تضع بيضة أو اثنتين في طبقها الصغير المقعر من الداخل ، نحرك البيض بعناية خوفًا من انسكابه على ملابسنا الصوفية وننتظر أمي حتى تنتهي من الخبز ، نلتصق بها رغم تحذيراتها لنا بأن الاقتراب أكثر من الفرن غير صحي ويشكل خطرًا علينا ، لكننا بعنادنا الطفولي لا نأبه ولا نهتم ويزداد التصاقنا بها.

تأخذ من يدي أولاً طبق البيض وتسكبه من خلال ثقب صغير صنعته بإصبعها في الحُنَّة "الرغيف الصغير" بعد أن أخرجتها من الفرن بمجرد انتفاخها ثم تقلب الحُنَّة الساخنة بين يديها دون اكتراث فيتحرك البيض ويتوزع بالتساوي داخلها ثم تعيدها مرة أخرى إلى الفرن وتفعل المثل بطبق أختي.

وعندما تستوي الحُنَّة تخرجها بالمُصْنَاع وتضعها أمامها فوق كيس الطحين.

اخطف حُنَّتي وأضعها في الطبق ولا انتظر حتى تبرد وأشرع في قضمها بأسناني ، تصرخ أمي انتبهي إنها ساخنة وسوف تحرق لسانك ، اضحك وأقول لها لا تقلقي واستمر في الأكل بشراهة وكأني لم أتناول الطعام منذ شهر.

اشتاق إلى أمي رحمة الله عليها ، اشتاق إلى فرن الطينة الذي لم يعد موجودًا ، اشتاق إلى المُصْنَاع والحُنَّة وجرة العدس ، اشتاق إلى طفولتي البريئة التي غادرتني بلا رجعة واشتاق لأيامي التي مضت وقد أخذت معها السعادة وهداة البال.

****


السبت، 17 أكتوبر 2015

عقد زوال


في بيتنا كتاب
عقد زوال
لـ / بشار النهار


وصلتني هذه الرواية كهدية من صاحبها الكاتب الشاب بشار النهار من الأردن ، وقد سعدت بهذه الهدية جدًا.
لم تأخذ مني وقت طويل في قراءتها ، رغم انقطاعي عنها فترة ثم عودتي مرة أخرى واعتذر لتأخري في كتابة مراجعة عنها.

بداية الرواية جاءت قوية وكانت تنبئني بأنني أمام عمل رائع ، فمع الصفحات الأولى كنت اشتم رائحة المطر وطين القرية التي تدور فيها أحداث الرواية.

لكن للأسف لم تستمر الرواية بهذه القوة التي بدأت فيها ، فأخذت منحى أخر وهو السير على نفس الوتيرة طوال الرواية ، لم اشعر بأن هناك نقطة ذروة أو عقدة بدأت في الظهور رويدًا رويدًا ووصلت لقمتها ثم بدأت في منحدرها للوصول للنهاية سواء أكانت مقفولة أم مفتوحة.

الرواية تتحدث عن قرية ما في زمان ما " الزمان والمكان غير محددين " ، وكل رجال القرية رجال سيئون بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ، يسيئون معاملة زوجاتهم وأبنائهم ، وكل النساء في الرواية مغلوبات على أمرهن.

لم يعطينا الكاتب شخصية لرجل سوي أو سديد أو حتى لامرأة قوية الشخصية غير مهزوزة ، فقط نوعين: رجال سيئون ونساء ضعيفات مستسلمات وأطفال لا حيلة لهم في كل هذا.

استمرت الرواية حتى النهاية تصف قسوة الرجال وجبروتهم ضد نسائهم وأطفالهم ، الرواية كانت قائمة فقط على الوصف والسرد بدون أحداث أو عقدة أو حل ، استمر الكاتب طوال روايته يصف ويصف ويصف نفس الأشخاص بنفس الصفات وتتكرر الأحداث ، تطلع الشمس يسيء الرجل معاملة زوجته وأطفاله وتغرب الشمس لتشرق من جديد ، يسيء الرجل معاملة زوجته وأطفاله وتغرب الشمس لتشرق من جديد وهكذا حتى نهاية السطر الأخير منها.

وقد أطلق الكاتب على أبطال روايته بشكل غريب أسماء غير دارجة مثل: صلاب ، عذاب ، حيان ، حيدر ، لبيد ، بقعة ، عرندس ، هاجم ، ماوية.

كما أنه كرر كلمة أبوي في كل صفحة من صفحات الرواية والطشت المقلوب "الذي شعرت بأنه أحد أبطال الرواية لكثرة ذكره فيها" كل هذا كان يخرجني من جو القراءة.

وقد خلت أيضًا الرواية من عناصر المفاجأة أو التشويق والإثارة وانتهت كما بدأت ، لم يضع الكاتب حل لما يحدث من ظلم للمرأة في القرية ولم يقم ثورة أو يحدث تغيير ، وربما أراد الكاتب بهذه النهاية أن يوصل رسالة لنا بأن الظلم مازال مستمرًا ولم يتوقف ، وأنه أراد أن تكون نهاية الرواية مفتوحة!

عمومًا ، من الواضح أن الكاتب الشاب لديه موهبة وقادر على صياغة رواية أفضل والدليل على ذلك البداية القوية للرواية والتي أدخلتني في جو القرية والأسرة الصغيرة لدرجة جعلتني أرى قطرات المطر واشتم رائحة الطين واسمع صوت البقرة في الخلفية، لكن اعتقد كقارئة أنه تعجل في إصدارها ، كان من الأفضل عرضها على بعض القراء الثقاة حتى يبدوا رأيهم فيها ويلفتوا انتباهه لبعض الأخطاء أو الهفوات التي تسقط من الكاتب دون أن ينتبه لها مثل تكرار بعض الجمل أو الكلمات بشكل كبير وملحوظ.

أتمنى أولاً أن يسع صدر الكاتب لرأيي كقارئة ، وأن لا يأخذه بشكل شخصي فأنا لا اعرف شخصه الكريم وأتمنى ثانيًا أن لا يندم على إهدائي تلك النسخة من روايته.
وأتمنى أخيرًا له كل التوفيق في كتاباته القادمة.
****