الخميس، 26 مايو 2011

أمي وبشائر الرحيل ..




أمي في ألف كلمة وكلمة
(2)
أمي وبشائر الرحيل ..
يا له من عنوان غريب ابدأ الكتابة به عن أمي ، هل للرحيل بشائر ؟؟ كيف وهو يحمل لنا الألم والوجع والحزن ، ولكنه كان يحمل بشرى لهذه المرأة الفاضلة التي كانت تحلم بالرحيل عن هذا العالم بكل كرامة وعزة نفس.

 كنت استيقظ عليها بالليل واجدها تصلي وتدعو الله بدعاء غريب لم اسمعه من أحد غيرها ، كانت تقول / " يا رب لا تمتني إلا وغبار الأرض على قدمي ، يا رب لا تعمي لي بصير ولا ترقدني فوق حصير " ، كانت تتمنى من الله أن تموت وهي تمشي على قدميها وترى بعينيها ولا ترقد على الفراش بلا حراك ، كانت تتمنى أن لا تتسبب بأي تعب أو إرهاق لنا في مرضها والقيام على شئونها، كانت تتمنى أن تموت كما قالت : " خفيفة نظيفة "، يا لها من أمنيات لمريضة تصارع الموت وهي تعرف أن نهايتها قد اقتربت.

كانت تجلس فوق سريرها في المستشفى وتقول :" يا رب ، لا تطيلها من شدة ، فإن الموت راحة "، تصمت وتشرد بذهنها إلى السماء وتقول : 
"متى اللقاء ..متى يحين الموعد !"

لقد علمت أمي بطريقة ما بأن الموعد اقترب كثيراً ، لدرجة أنه قبل وفاتها بشهر تقريباً ، كانت ترى شمس تسير في حجرتها بالمستشفى وتبتسم وتقول: "هاهي اقتربت" ، انظر إلى سقف الحجرة فلا أرى شيئاً ، لم يعد يهمها إن اتهمها البعض بالتخريف والهذيان ، فقد كانت ترى تلك الشمس في السقف وتبتسم لها لدرجة أن عيونها كانت تلمع .."هاهي .. هاهي قد عادت من جديد" وتبدأ بالإشارة إليها وتتبعها في كل أنحاء الحجرة ، كنت انظر إلى أمي واعلم بأن هناك خطبٌ ما ، ما هذه الشمس يا أمي ولماذا تريها ونحن لا نراها ؟!

كانت تلك الشمس أول إشارة من الله بقرب الرحيل ، وكأن الله يمهد لي الطريق لتقبل الفاجعة ، يريد أن يعودني على غيابها لكي امتص الصدمة لأنه يعرف تماماً ماذا تعني لي أمي وماذا يعني رحيلها بالنسبة لي وأنا الطفلة المدللة وآخر العنقود.

كنت قد تعودت أن اطلب من طفلتي ذات العامين أن تدعو الله لكي يشفي والدتي ، كنت أقول لها : " راما ، قولي يا رب اشفي تيتا أم وليد " وكانت تقولها بكل عفوية وبراءة ، حتى جاء الأسبوع الأخير في حياة أمي ، كنت اطلب منها الدعاء لها ، فتقول طفلتي : " يا رب اشفي سيدو أبو وليد " أقول لها : " لا يا ماما قولي اشفي تيتا أم وليد " فترد علي وتقول : " يا رب اشفي تيتا أم رامي " وهكذا .. يا رب اشفي ماما .. يا رب اشفي بابا .. يا رب اشفي راما .. وينعقد لسانها عن الدعاء لأمي بالشفاء ، أمسكتها ونهرتها بشدة وطلبت منها الدعاء لأمي ولكنها صمتت ولم تقل شيئاً ، وبدأت أنا بالبكاء ، لأنها كانت الإشارة الثانية لقرب رحيل أمي .

أما الإشارة الثالثة فقد كانت الساعة.. ذهبت كعادتي لزيارتها في المستشفى قبل وفاتها بيومين ، وإذا هي تخبرني بأن ساعة يدها قد توقفت عن العمل وأن والدي قد حاول إصلاحها عدة مرات ، والغريب في الأمر أنه عندما يضعها في يده تعمل بدون أي مشكلة ، ولكن بمجرد أن تضعها أمي في معصمها تتوقف ، ولقد طلبت مني إحضار ساعة من ساعاتي لها ، ووعدتها بأن احضر لها واحدة في زيارتي القادمةـ ، أثار هذا الأمر استغرابي وبشدة ، ولكني لم أفهم مغزاه إلا بعد رحيلها ، لقد كانت إشارة على قرب ساعتها.

أما الإشارة الرابعة والأخيرة  فكانت قبل وفاتها بيوم ، حيث قامت بالاتصال بي وأخبرتني أنه تم نقلها من مستشفى ناصر إلى مستشفى النجار ، وأنها تريدني أن احضر لرؤيتها غداً وليس اليوم لأنها سوف تذهب إلى دارها في الغد ! أي دارٍ هذه يا أمي التي سوف تذهبين إليها في الغد ؟!

استلقيت في سريري وأنا أحلم بيوم غدٍ ، وشعرت بالحزن فجأة وبالضيق ثم غلبني النوم ، وحلمت بها ترتدي ثوباً أبيضاً وتضع على رأسها وشاحاً أبيضاً ، وترقد أيضاً على سرير أبيض في المستشفى وكانت تجلس أختي الكبرى عند رأسها وأختي الأخرى عند قدميها  " مع العلم بأنهما غير متواجدتين هنا ، فأختي الكبرى تعيش في أمريكا والوسطى تعيش في مصر " ، وحضرت أنا متأخرة ، فوجدتها مبتسمة  وراضية كعادتها تتبادل الضحكات مع أخواتي ،  نظرت إليَّ بعطف واشتياق وقالت لي هل احضرتي الساعة معك ، فأخبرتها بأني نسيتها وسوف احضرها غدا ، فقالت لي مبتسمة " حسناً " .. وبدأت أمي بالدعاء لنا وطلبت مني أن انتبه لنفسي .. وكأنه وداع.


استيقظت من حلمي على صوت الهاتف .. حيث طلب مني أخي الحضور حالاً لأن أمي مريضة جداً .. سألته  عنها فلم يخبرني بشي ء ، بحثت بسرعة عن الساعات واحترت في اختيار الساعة المناسبة فأخذتهم جميعاً ووضعتهم في حقيبتي وغادرت أطارد الزمن للوصول بسرعة للمستشفى .

وفكرت هل أذهب لرؤيتها في البداية أم اذهب لوضع بطاريات في الساعات ، فقررت الذهاب لها في المستشفى حيث شعرت من مكالمة أخي بأن هناك خطبٌ ما.

وصلت المستشفى وتفاجأت من المشهد ،  الكل يبكي وأمي في رمقها الأخير .. وسألتني - وجهاز الاكسجين على أنفها : " لماذا تأخرت في الحضور ؟" ، أخبرتها أني حضرت بسرعة ولم اتأخر ، فقط مسافة الطريق .. أمسكت بيدها وبدأت في البكاء .. لم احتمل فكرة فراقها للأبد .. لم تتوقف دموعي للحظة واحدة ، اختنقت بعبراتي وتأوهاتي ، أسرع الأطباء لأخذها إلى غرفة غسيل الكلى وبصعوبة بالغة تركت يدي وصوتها يرن في أذني " ديري بالك على حالك يا امتياز " كانت أخر كلماتها ، وما هي إلا دقائق  وخرج الطبيب ليعلن عن رحيلها ، رحيل من كانت نور عيني ومهجة فؤادي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ

**************

الجمعة، 20 مايو 2011

نحـن …




نحـن …


عينان في الظلام
تبحث عن وطن
ربما في الأحلام
حيث يموت الزمن
على أيكة خيانة
نصنعُ من جراحنا
ألحانا …
نزرعُ في أجسادنا
مهرجانا …
فالموت يسري في قلوبنا
شريانا…
فضحكتنا صباح
وغضبتنا رياح
ومآتمنا أفراح

*****

الأحد، 15 مايو 2011

في ذكرى النكبة .. ما زال الحلمُ قائماً




ومازال الحلمُ قائماً



ثلاثة وستون عاماً ، نُبقي أبواب الأمل مشرعّة
لعل بصيص من ذلك الأمل يأتي من بعيد
مشبع برائحة الحرية المسلوبة والأرض المغصوبة

ثلاثة وستون عاماً  رحل من رحل
وغاب من غاب ، وغادر من غادر
وبقينا نحن في انتظار قطار العودة ليأخذنا بعيداً
حيث تعشش طيور الحجل في بيوتنا المهجورة
على حدود غضبنا وقلة حيلتنا

ثلاثة وستون عاماً ، بيوتنا وعتبات أبوابها ،
حكورتنا وعشبها الربيعي الأخضر ،
بيارتنا وأشجارها التي تعانق قمم الجبال وعنان السماء ،
قريتنا وطرقاتها الرملية المحفوفة بأشجار الغيلانة والصبر ،
مازالت جميعها في انتظار عودتنا

ثلاثة وستون عاماً ، شابت نواصي الولدان وشاخت الأجساد
جفت الحناجر ، ورفعت الأقلام
ومازال قلبي ينبض بكِ حباً واشتياقاً يا فلسطين

ثلاثة وستون عاماً ، والقطار مازال يخُطئ عمداً محطتي ..
مفتاح بيتي مازال معلقاً على جدران ذاكرتي
وخريطة البلاد حفرتها في تجاعيد وجهي

فإن مت ُيا أولادي دون البلادِ
فاحملوا رفاتي وانثروها لعلها تهفو
حنيناً فوق أرض أبائي وأجدادي

إن متُ اليوم ، لا ترثوني بل انثروني
ورداً وربيعاً في قلوب أحفادي
لعلي ارجع ذات يوم ٍ بعيونهم إلى بلادي

ولا تبكوني ..
فالأرواح مجتمعةٌ وإن تفرّقت منا الأجسادِ
تمر السنون .. لا تدعوها تمرُ
قفوا في وجهها ووجه الطغيان
بصدورٍ عاريةٍ وحجارة في الأيادي
فالقطار اليوم قطارنا ، لا قطار الأعادي

ثلاثة وستون عاماً ومازال الحلمُ قائماً ..
طالما هناك نَفَسٌ يتردد ..
وبشرى تسكنُ أشعار الحادي 

**************
ملاحظة ..
حكورة / فناء البيت
الغيلانة / شجر غير مثمر ذو أشواك .




الجمعة، 13 مايو 2011

ثلاثة وستون عاماً ، يا عزيز عيني ..




إهداء إلى بلدي الحبيبة فلسطين

يا عزيز عيني
وأنا بدي اروّح بلدي
ليلة نمت فيها
وصحيت مالقيتش بلدي

***
بلدي يا بلدي
ويا عيني على بلدي
بين أهلي وناسي
وبقيت غريب يا بلدي

***
عمي يا اللي ماشي
ظلمي ماترضاشي
سافر قلبي ومجاشي
يدور على بلدي

***
ده مش لون عينيك
ولا ديت ايديك
بدل ما أخاف عليك
بخاف منك يا بلدي

***
يا عزيز عيني
وأنا بدي اروّح بلدي
ليلة نمت فيها
وصحيت مالقيتش بلدي

***


كلمات:  أيمن حلمي
(عن تيمة فولكلورية ولحن لسيد درويش)

ملاحظة .. صور عن النكبة تجدونها هنا 

 ***************

الخميس، 5 مايو 2011

ملاحظات حول توقيع اتفاقية المصالحة






ملاحظات حول توقيع اتفاقية المصالحة في القاهرة
الثلاثاء 4\5\2011

تأخرت في الكتابة والتعليق على الأحداث الجارية التي صاحبت توقيع المصالحة بين طرفي الخلاف الفلسطيني حركتي فتح وحماس .. ولكن لعله خير ..وكما يقال كل تأخيرة فيها خيرة ..
بالنسبة لملاحظاتي فهي متفرقة سوف أحاول سردها في نقاط /

- المشكلة أني لا اشعر بالسعادة الغامرة ولكن اشعر بنوع من الارتياح.

- الكثير استغرب من عدم جلوس خالد مشعل على المنصة بجانب الرئيس ، كان من المفروض - من وجهة نظري - أن يجلس بجانبه لأنهم طرفي الخلاف.

- أول مرة تعجبني كلمة لخالد مشعل بعد أكثر من عشر سنوات ، مع العلم بأنه كان شخصاً محترماً ومناضلاً ، وله وزنه في حركة حماس ، لقد لمست صدق كلامه ونيته بخصوص المصالحة وأتمنى من الله آلا يخيب ظني فيه هذه المرة.

- كنت أتمنى عودة الرئيس أبو مازن إلى غزة مباشرة بعد التوقيع بدلاً من التوجه إلى ألمانيا.

- العمل على قدم وساق في محادثات مكوكية بين حركتي فتح وحماس لاختيار رئيس الوزراء الجديد ، ولو أخذوا رأيي في هذا الموضوع لاخترت بدون أدنى شك الدكتور سلام فياض " رئيس الوزراء حالياً " ، فهو الوحيد الآن على الساحة الفلسطينية المناسب لهذا المنصب ، فهو شخصية فلسطينية مستقلة مقبولة محلياً ودولياً ، وهو رجل مؤسسات بالدرجة الأولى ، كما أنه رجل يعمل بصمت وينجز بفعالية على أرض الواقع ، وهو القادر على بناء دولتنا المستقبلية.

- قامت حكومة حماس بإصدار وتنفيذ حكم الإعدام في مواطن غزي صبيحة التوقيع على الاتفاق بتهمة التخابر مع العدو ، طبعاً بدون مصادقة الرئيس أبو مازن!

- يرى بعض المواطنين أن المصالحة جاءت لصالح حركة حماس على حساب حركة فتح ، وأن أبو مازن قدم تنازلات كثيرة مقابل إتمام هذه المصالحة وذلك نكاية بأمريكا وإسرائيل.

- أول مرة تسمح فيه حكومة حماس لحركة فتح المحظورة في القطاع بالخروج والتعبير عن فرحتها بالتوقيع على اتفاقية المصالحة , لأول مرة منذ أربعة أعوام ترفرف الأعلام الفتحاوية الصفراء في سماء القطاع .

- فرحة فتحاوية عارمة وغير طبيعية بالمصالحة ، ولقد لاحظت هذا خلال مشاركتي في الاحتفالات الشعبية العفوية في ساحة الجندي المجهول بعد الإعلان عن التوقيع."طبعاً فلقد كانت حركة محظورة فيما سبق!".

- تلفزيون فلسطين ينقل بث حي ومباشر من غزة لأول مرة أيضاً منذ أربعة أعوام وكذلك تلفزيون الأقصى أرسل أول تقرير له من الضفة لغزة.

- في ظل الانقسام ، كانت فضائية الأقصى التابعة لحماس تتحدث عن الرئيس أبو مازن وتقول عنه " عباس دايتون " وبعد المصالحة أصبح اسمه بقدرة قادر " الأخ الرئيس أبو مازن "!

- سمحت حكومة حماس بإدخال الصحف اليومية الفلسطينية " القدس – الحياة الجديدة – الأيام " إلى القطاع ، " زمان والله يا جرائد !"

- شبح قطع الرواتب بدأ يحوم في سماء قطاع غزة والضفة بعد تأخر رواتب هذا الشهر حتى الآن وتهديد إسرائيل بقطعها.

- سمعت بعض المواطنين في أثناء الاحتفالات العفوية يهتفون باسم الرئيس أبو مازن وأبو فادي " طبعاً قصدهم محمد دحلان !!"

اقتربت عودة الموظفين المفصولين عن العمل والمستنكفين إلى عملهم ولكن المشكلة في آلية العودة ، وخاصة أن حكومة حماس استبدلتهم بموظفين آخرين.

- هناك تسريبات وربما إشاعات بأن غزة سوف تبقى تحت إشراف حماس والضفة تحت إشراف فتح ، بمعنى أن حماس سوف تتولى شئون القطاع بينما تتولى فتح شئون الضفة وكليهما تحت إشراف رئيس الوزراء المقرب من حماس !

- المشكلة أن غزة هي التي عانت من ويلات الانقسام ، ولابد من العمل على إزالة أثار هذا الانقسام أولاً في غزة ومن ثم في الضفة وليس العكس كما تطالب حركة حماس.

- الحديث عن المعتقلين السياسيين لحماس في الضفة مع تجاهل المعتقلين من فتح في سجونها!

- شعرت بأن فرحة إنهاء الانقسام في غزة أكبر وأعمق من الفرحة في الضفة.

- من الذي قال بأن فتح قد انتهت وماتت في غزة ، من خرج في يوم التوقيع لشوارع ومدن القطاع لعلم جيداً بأن حركة فتح لم تمت ومازالت قوية ، لقد حاول البعض تشويه صورة حركة فتح في الإعلام والقول بأنها أصبحت حركة مغمورة ليس لها مريدين ولا حتى محبين ، ولكن الحقيقة على أرض الواقع مختلفة كلياً ، لقد شاهدت بأم عيني فرحة الشعب بعودة الشرعية إلى القطاع ، وعودة الحريات الشخصية والإعلامية والحزبية أيضاً.

- لمن لا يعرف الواقع الفلسطيني الصحيح من إخوتنا العرب خارج حدود فلسطين ، أقول لهم بأن نصف سكان القطاع يؤيدون حركة فتح وتليها مباشرة حركة حماس ومن ثم باقي الفصائل الفلسطينية، وليس العكس كما يحاول البعض الترويج له.

- مع احترامي الشديد للأخوة في حركة الجهاد الإسلامي إلا أني اشعر بأنهم يعيشون في كوكب أخر غير غزة !

- استغربت وبشدة نعي إسماعيل هنيه لأسامة بن لادن ، أليست حكومة حماس هي من حاربت الشيخ عبد اللطيف موسى وقتلته ومن معه في مسجد الشيخ ابن تيميه في رفح ، وهم المحسوبين على القاعدة !!

- بصراحة شديدة لا أتمنى عودة القادة والمسئولين الهاربين من غزة إليها بعد توقيع المصالحة ، وأشد على يد حركة حماس بالتشدد برفض عودتهم مرة أخرى حتى لا يعيثوا في الأرض فساداً .

كانت هذه هي ملاحظاتي على الوضع العام في غزة، جاءت معظمها ملخبطة وغير منتظمة وربما غير مفهومة ، كما هي الأفكار التي تتسارع وتتصارع في رأسي.


ملاحظة .. صور من الاحتفالات تجدونها هنا .

*******