الخميس، 13 سبتمبر 2012

الأجنحة المتكسرة




في بيتنا كتاب

الأجنحة المتكسرة

لـ : جبران خليل جبران

الآن فقط عرفت لماذا وقعت مي زيادة في غرام جبران خليل جبران !

سمعت الكثير والكثير عن جبران ومي ، وآثرت في نفسي أن ابدأ بالقراءة أولاً لمي ربما لأنها أنثى مثلي ، أما الآن فقد حان دور ذلك الأديب الحالم ، وكانت رائعته " الأجنحة المتكسرة " هي البداية .. منذ أن بدأت عيناي تلتهم روايته أو قصة شبيبته .. تراقص أمام ناظري مقطعٌ قديمٌ من قصيدة كتبتها في زمن شبيبتي أقول فيها :

" هنــــــــــــــاك هنــــــــــــــاك
لا يجلس أحدٌ سواي
يبكي على أطلال ذكراي
وعاري وما اقترفته يداي
وقلباً كسيراً ضمته عيناي "

إنها ذكريات عهدنا الأول بكل شيء هو طاهر ونقي في حياتنا ، عهدنا بكل شيء لم تلوثه أيدي الآخرين بعد.
هنا يسترجع جبران ذكرياته مع الحب الأول الذي طرق باب قلبه وهو في الثامنة عشر من عمره ، ويجبرنا  - بمحض إرادتنا – أن نعود معه لنستمع إلى آهات قلبه وندبات حزنه .

قد تبدو قصص الحب الأول متشابهة .. لكنها بالتأكيد مع جبران مختلفة كل الاختلاف ، فجبران هنا ليس مجرد عاشق ، بل مفكر وفيلسوف يبحر بنا عبر مقطوعات كلامية ، تجعلنا نتوقف لنتأمل ما خط قلمه ، وما أكثر تلك المقطوعات التي قد نخرج بها من أعماق أعماقه لنحملها في ثنايا الروح وشغاف القلب.

مع جبران تعلمت أن " الشيوخ يرجعون بالفكر إلى أيام شبابهم رجوع الغريب المشتاق إلى مسقط رأسه ، ويميلون إلى سرد حكايات الصبا ميل الشاعر إلى تنغيم أبلغ قصائده ، فهم يعيشون بالروح في زوايا الماضي الغابر ، لأن الحاضر يمر بهم ولا يلتفت ، والمستقبل يبدو لأعينهم متشحاً بضباب الزوال وظلمة القبر".

ومع جبران أدركت أن " أصحاب النبوغ تعساء مهما تسامت أرواحهم تظل مكتنفة بغلاف من الدموع".

وأن" النفس الحزينة المتألمة تجد راحة بانضمامها إلى نفس أخرى تماثلها بالشعور وتشاركها بالإحساس مثلما يستأنس الغريب بالغريب في أرض بعيدة عن وطنهما – فالقلوب التي تدنيها أوجاع الكآبة بعضها من بعض لا تفرقها بهجة الأفراح وبهرجتها ، فرابطة الحزن أقوى في النفوس من روابط الغبطة والسرور ، والحب الذي تغسله العيون بدموعها يظل طاهراً وجميلاً وخالداً".

وكيف أنسى أن " المحبة هي الزهرة الوحيدة التي تنبت وتنمو بغير معاونة الفصول".

لقد تحدث جبران هنا عن معاناة المرأة الشرقية التي تنتقل عزيزة من بيت والدها لتعيش ذليلة في بيت رجل أخر يقال عنه " زوجها " ، لتعيش معذبة الروح ، مهلكة الجسد ، كما يشبه وضع المرأة المزري في ذلك الزمان بوضع الأمة الضعيفة المتهالكة بين حكامها وكهانها.

فيقول: " إن المرأة من الأمة بمنزلة الشعاع من السراج ، وهل يكون شعاع السراج ضئيلاً إذا لم يكن زيته شحيحاً ؟".

أيها الجبران :

يبدو أني وقعت أسيرة شباك كلماتك ، كما وقعت مي أسيرة في شباك غرامك!

فإن نفسي المتهالكة والمُتَعبة التي تهوى العزلة والانطواء قد وجدت ضالتها بين سطور كلماتك ، ووجدت خلاصها بين ثنايا حروفك لأن " النفس الكئيبة تجد راحة في العزلة والانفراد فتهجر الناس مثلما يبتعد الغزال الجريح عن سربه ويتوارى في كهفه حتى يبرأ أو يموت".

لقد جعلت الحنين يجرفني إلى صدر أمي ويزيد من لوعتي على فراقها حينما قلت : " الأم هي كل شيء في هذه الدنيا ، هي التعزية في الحزن ، والرجاء في اليأس ، والقوة في الضعف ، هي ينبوع الحنو والرأفة والشفقة والغفران ، فالذي يفقد أمه يفقد صدراً يسند إليه رأسه ويداً تباركه وعيناً تحرسه .. " صدقت يا جبران – أي والله – صدقت .

فإن قلوبنا تحملها أجنحة متكسرة ، ما طارت بنا نحو أملٍ بعيد حتى وقعت مضرجة بدمائها بعد أن عجزت عن الوصول إلى الأفق المنشود والغاية المرجوة.

فـــــــــــ" أشفق يا رب وشدد جميع الأجنحة المتكسرة " .

ملاحظة:

الكلمات باللون الأزرق هي اقتباسات من الكتاب ، لتحميل نسخة منه اضغط : هنـــــــــــــا.

****

هناك 13 تعليقًا:

  1. أحببتُ القصّة يوم قرأتها ،
    لكن ليس كثيرًا ،
    لا أعرفُ لمَ أحسّ بأن القصة مُترجمة ،
    ربما لأن جبران عاش في المهجر ،
    أو لأنّ الفلسفة تغلبُ عليه !

    لا أدري حقًا ،
    لكني أعجبتُ به و لم أقع في حبه كأنتِ أو كميّ ..
    هناك من هو أضعه موضعًا أكبر ..

    أطيب الأمنيات ..

    تحيآاتي لكِ ..

    ردحذف
  2. السلام عليكم

    جبران افلاطون ادباء هذا العصر
    الاجنحة المتكسرة من اجمل ما خطه قلمه

    احسنت الاختيار اختى الحبيبة
    تحياتى لذوقك الرقى دائما
    دمت بود وسعادة

    ردحذف
  3. لا أنس أن جبران كان من اهتماماتي في مرحلة معينة.. خاصة دمعة وابتسامة، هو يملك حسا دافقا ولغة بسيطة وممتنعة، وحكمه جميلة وممتعة.. حاول جبران أن يبدع ما يسمى القصيدة النثرية، في فترة التجديد، وإن كان بارعا في القصيدة العمودية..
    على كل حال ما أعجبني في تدوينتك هو اختباراتك من كتاب الاجنحة المتكسرة وتوظيفك لها بشكل بارع.
    حياك الله.

    ردحذف
  4. شكرا على الهدية الجميلة

    ما كتب شوقنى كثيرا لقرائتها

    تحياتى دوما

    ردحذف
  5. لم أقرأ له من قبل
    إعتقدته شاعرا ولم أعلم أنه له روايات

    أحببت تلك الفلسفه فى كلماته التى اقتبستيها واعلم ان اختياراتك رائعه وقد تكون افضل ما كتب

    دعواتك أعود لنشاطى وللقراءة :(

    دمت بخير

    ردحذف
  6. صباح الغاردينيا آمتياز
    الحمدلله على سلامتك ِ أفتقدناكِ ياغالية
    جبران من أجمل الكتاب الذين قرأت لهم
    أقتباساتك جميلة لأنكِ تقرأين بحس أدبي "
    ؛؛
    ؛
    لروحك عبق الغاردينيا
    كانت هنا
    Reemaas

    ردحذف
  7. لقد قرأتها منذ زمن ولكن نسيت تفاصيلها شكرا على تذكريك لنا بها تحية ود وإعجاب

    ردحذف
  8. أختيار رائع ،، وطرح بليغ
    احييكِ

    ردحذف
  9. كتاب رائع لكاتب وفيلسوف أروع
    القراءة لجبران تماما كالعزف على البيانو!

    أحسنتِ الاختيار والعرض

    بالتوفيق دايما

    ردحذف
  10. جبران من الأوائل الذين فطمت على أدبهم و على أسلوبهم

    هذه القصة قرأت عنها كثيرا لكني لم أقرأها حتى الآن

    و هاأنتِ تهديني قراءتها
    وها أنا أقبل الهدية بشغف

    كل الشكر لكِ امتياز

    ردحذف
  11. دائماً اختياراتك موفقة وتنم عن حس مرهف وشخصية مثقفة واعية
    بارك الله فيك وأعزك

    ردحذف
  12. السلام عليكم...
    لقد جاء اختيارك لنشر هذا الكتاب في توقيت مناسب جدا، فأنا أرغب بشدة في قراءة أدب عمالقة الأدب العربي، وجبران هو واحد منهم بلا شك...
    لست خبيرا بالجود ريدز، ولمني سأذهب هناك وأحاول تحميله، فإن نجحت فسأطلب منك كتبا أخرى لكتاب آخرين، وعليك أن تصبري!!
    تقبلي خالص تحياتي...

    ردحذف