في بيتنا كتاب
ثلاث ليالٍ في غرفة الترحيل
للكاتبة الفلسطينية / علا
عنان
كان يتوجب علي الذهاب بالقطار في زيارة خاطفة لنيويورك، ولأن
المسافة تستغرق ثلاث ساعات ونصف تقريبًا فكرت في اصطحاب كتاب معي لكي يخفف عني
وحدة السفر. نظرت بسرعة خاطفة على مجموعة الكتب التي احضرها والدي معه عندما جاء
من مصر. وقد وقع اختياري على هذا الكتاب.
رغم سعادتي العارمة بحصولي على الكتاب إلا أن الظروف الطارئة
التي حلت بي عند مجيء والدي لزيارتي بعد فراق دام أكثر من ثلاث سنوات حالت دون
البدء فورًا في قراءته.
وضعت الكتاب في حقيبة الظهر وتوجهت في الساعة السادسة صباحًا إلى
محطة القطار، وبمجرد صعودي إلى المقصورة، جلست بهدوء بجوار النافذة وشرعت في
القراءة.
أول ما لفت انتباهي في الكتاب هو غلافه الجميل والملائم جدًا
للمحتوى وبالمناسبة فإن الصورة التي على الغلاف كانت هي سبب التعارف بيني وبين علا،
فمنذ بداية دخولي إلى عالم المدونات، كانت مدونة " علا من غزة " من أول
المدونات التي لفتت نظري وشجعتني للبدء في رحلة التدوين عبر منصة بلوجر، وكانت صورتها
بين الجدران ملهمة لي بشكل أو بأخر وقد دفعتني للتعرف عليها لنصبح أصدقاء فيما بعد.
غالبية النصوص الموجودة في الكتاب، كنتُ قد قرأتها من قبل على
المدونة وتركت أثرًا في نفسي لا يزول، وإعادة قراءتها مرة أخرى ورقيًا كان له مذاق
مختلف وكأني اقرأها بعين أخرى وبرؤية جديدة.
علا بمفرداتها البسيطة والقريبة للقلب بدون فذلكة أو حذلقة
تأخذك في رحلة قصيرة ومقتضبة ومعاصرة لقطاع غزة المحاصر، تعرفك على أحلام الشباب
البسيطة وأحوالهم الصعبة المقيتة في ظل احتلال غاشم وحصار قاتم من الصديق قبل
العدو.
تعرفّك علا بالأبواب المغلقة وغرفة الترحيل وشوارع القدس
العتيقة والفكة والصلاة في الأقصى عندما تصبح هدية من السماء والاشتياق للحبر
الفوسفوري والراحل الغالي على قلوبنا جميعًا أمير عنان.
أثناء قراءتي للكتاب شعرت بغصة في قلبي ودمعة في عيني من الحزن
على السنين التي تذهب هدرًا في غزة بدون تحقيق الأحلام البسيطة والحياة الكريمة في
الوطن، العجز عن توفير بيت ووظيفة مناسبة وفرصة السفر للخارج، أحلام الشباب التي
تموت يوميًا أمام صرافات البنوك ومعبر رفح المغلق باستمرار.
كل هذا وأكثر سوف تجده في هذا الكتاب والذي اعتبره واحدًا من
سلسلة كتب معاصرة لشباب يحاولون جاهدين إيصال صوت معاناة أهل غزة للعالم الخارجي
وتأريخ ما يحدث الآن. ولا أبالغ لو قلت أن هذا الكتاب سوف يكون مرجعًا مهمًا بعد
مرور السنين وشاهدًا على ما حدث في هذه الفترة المظلمة من تاريخ فلسطين.
عندما وصلت نيويورك كنت قد انتهيت من الكتاب. وضعته مرة أخرى
في حقيبتي وتوجهت إلى السفارة المصرية وهناك كان يجب عليّ الانتظار لمدة لا تقل عن
ساعتين لأنني فلسطينية والمعاملة التي جئت من أجلها لن تنجز بسهولة كغيري من حاملي
الجنسيات الأمريكية والغربية وحتى العربية والأفريقية. شعرت بالحزن والأسى على
حالنا كفلسطينيين وأنا أرى تلك المعاملة الجافة لمجرد أنني فلسطينية من غزة.
ولكي يمر الوقت، عدت
لقراءة الكتاب مرة أخرى وعندما وصلت لـ " ثلاث ليالٍ في غرفة الترحيل"،
لم أتمالك نفسي وسقطت دمعة ساخنة على خدي مسحتها بسرعة قبل أن يلمحها أحد، وأخذت
أتمتم بيني وبين نفسي بأن لعنة غزة مازالت تطاردني أينما ذهبت.
ركبت القطار للعودة إلى لانكستر وكان معي كتاب عُلا وخُفي حُنين
والخيبة. كان القطار يهدر عاليًا وأنا أسرح بخيالي في المناظر الطبيعية الخلابة
التي لم تنجح في تحسين مزاجي المُعكر وقلت في نفسي:
هذا الكتاب يعبر عني وعن آلاف الفلسطينيين من غزة وهو في نظري
أفضل مئة مرة من كتب التوثيق الأكاديمية الجافة والخالية من المشاعر الإنسانية.
أحسنتِ يا علا في نقل صورة غزة القاتمة بشكلها الصحيح دون
تزييف أو إدعاء.
في انتظار المولود القادم، لا تتأخري!
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق