في
بيتنا كتاب
بدم
بارد
لـ/
ترومان كابوتي
دخلت المديرة إلى حجرة
الصف وبعد مقدمة قصيرة جدًا وبصوتٍ كان مسموعًا للجميع وجّهت حديثها للمعلمة بعد
أن بان في عينيها نظرة صارمة وبنبرة عملية لئيمة قالت: أعلمُ جيدًا أن والدتك
تحتضر، لكن هذا مكان عمل ولا يجب عليك الحديث عن مشاكلك الشخصية فيه أو حتى إظهار
مشاعرك الحزينة أمام الصغار، أعلم أنك لا تبكين هنا وأمامهم، وأنكِ تعتنين بمظهرك
وبطريقة حديثك معهم جيدًا لكني أرى حزنًا بعيدًا يختبئ في عينيك وهذا غير مسموح به
مطلقًا هنا، وكما قلت لكِ ولغيرك من الملتحقات بالعمل؛ اتركي مشاكلك الشخصية أمام
عتبة هذا الباب وعندما تخرجين من هنا يمكنك أخذها معك أينما شئتِ!
تذكرت هذه الحادثة التي وقعت أمامي يومًا ما بينما كنتُ اقرأ هذه الرواية التي تتحدث بلغة تقريرية عملية عن جريمة قتل حقيقية وقعت في بلدة هادئة في ولاية كنساس الأمريكية وذهب ضحيتها رب الأسرة هيرب كلاتر وزوجته السيدة بوني وابنتهما نانسي وابنهما كينيون، لقد تم قتلهم بدم بارد على يد بيري سميث ودك هيكوك وكان هدفهما هو سرقة رب الأسرة الغني والذي لسوء حظهما لم يكن يحتفظ بأية نقود في المنزل، وبعد أن قلبوا البيت رأسًا على عقب لم يجدوا إلا أربعين دولار، ولأنهم لا يريدون ترك شهود وراءهم فقد قتلوا الجميع، قتلوهم من أجل أربعين دولارًا، أي أن كل رأس من عائلة كلاتر كان ثمنها عشرة دولارات فقط، ثم غادر المجرمون بهدوء وكأن شيئًا بشعًا لم يحدث قبل قليل.
لكن ما الشاهد بين القصة التي أوردتها في بداية حديثي وقصة عائلة كلاتر، إن الشاهد هو قدرة الشعب الأمريكي على تجاوز المصائب بسهولة ومن أهم تلك المصائب مصيبة الموت، لا وقت لديهم للحزن والبكاء على الأطلال أو حتى على اللبن المسكوب مثلنا نحن العرب، كل شيء محسوب بدقة عندهم ولا يسمح بالمطلق إظهار المشاعر والعواطف أمام الأخرين، لا يحب الأمريكيون إظهار مشاعر الضعف الإنساني أبدًا، يغلفون قلوبهم بطبقة سميكة من اللامبالاة وقبول الأمر وتجاوز المحن، يفكرون بطريقة عملية وتقريرية بالضبط كما هي طريقة الكاتب في تناول وعرض قصة وتفاصيل الجريمة.
وقعت الجريمة في عام ١٩٥٩ أثناء استعداد الناس لعيد الشكر وبعد مرور ما يقارب من ستين عامًا على هذه الجريمة البشعة، تشعر كاتبة هذه السطور بالحزن الشديد على الضحايا وكأنهم من بقية أهلها. تقلب صور الضحايا وصور المجرمين أيضًا وقلبها يتقطع على الصغيرة نانسي وفرسها العجوز بيبي التي تركتها خلفها وعلى السيدة بوني التي بدأت صحتها تتحسن في الآونة الأخيرة، وعلى السيد هيربرت الرجل المحترم والرصين الذي بنى هذا البيت الجميل وأسس مزرعته الكبيرة وعلى ابنه كينيون الشاب الصغير .
كان حزني عميقًا جدًا رغم أني لا أعرفهم معرفة شخصية ولم يكونوا أقاربي كما أن الحادثة وقعت منذ زمن بعيد.
تذكرت هذه الحادثة التي وقعت أمامي يومًا ما بينما كنتُ اقرأ هذه الرواية التي تتحدث بلغة تقريرية عملية عن جريمة قتل حقيقية وقعت في بلدة هادئة في ولاية كنساس الأمريكية وذهب ضحيتها رب الأسرة هيرب كلاتر وزوجته السيدة بوني وابنتهما نانسي وابنهما كينيون، لقد تم قتلهم بدم بارد على يد بيري سميث ودك هيكوك وكان هدفهما هو سرقة رب الأسرة الغني والذي لسوء حظهما لم يكن يحتفظ بأية نقود في المنزل، وبعد أن قلبوا البيت رأسًا على عقب لم يجدوا إلا أربعين دولار، ولأنهم لا يريدون ترك شهود وراءهم فقد قتلوا الجميع، قتلوهم من أجل أربعين دولارًا، أي أن كل رأس من عائلة كلاتر كان ثمنها عشرة دولارات فقط، ثم غادر المجرمون بهدوء وكأن شيئًا بشعًا لم يحدث قبل قليل.
لكن ما الشاهد بين القصة التي أوردتها في بداية حديثي وقصة عائلة كلاتر، إن الشاهد هو قدرة الشعب الأمريكي على تجاوز المصائب بسهولة ومن أهم تلك المصائب مصيبة الموت، لا وقت لديهم للحزن والبكاء على الأطلال أو حتى على اللبن المسكوب مثلنا نحن العرب، كل شيء محسوب بدقة عندهم ولا يسمح بالمطلق إظهار المشاعر والعواطف أمام الأخرين، لا يحب الأمريكيون إظهار مشاعر الضعف الإنساني أبدًا، يغلفون قلوبهم بطبقة سميكة من اللامبالاة وقبول الأمر وتجاوز المحن، يفكرون بطريقة عملية وتقريرية بالضبط كما هي طريقة الكاتب في تناول وعرض قصة وتفاصيل الجريمة.
وقعت الجريمة في عام ١٩٥٩ أثناء استعداد الناس لعيد الشكر وبعد مرور ما يقارب من ستين عامًا على هذه الجريمة البشعة، تشعر كاتبة هذه السطور بالحزن الشديد على الضحايا وكأنهم من بقية أهلها. تقلب صور الضحايا وصور المجرمين أيضًا وقلبها يتقطع على الصغيرة نانسي وفرسها العجوز بيبي التي تركتها خلفها وعلى السيدة بوني التي بدأت صحتها تتحسن في الآونة الأخيرة، وعلى السيد هيربرت الرجل المحترم والرصين الذي بنى هذا البيت الجميل وأسس مزرعته الكبيرة وعلى ابنه كينيون الشاب الصغير .
كان حزني عميقًا جدًا رغم أني لا أعرفهم معرفة شخصية ولم يكونوا أقاربي كما أن الحادثة وقعت منذ زمن بعيد.
وقد ألمني جدًا أن ابنة
العائلة القتيلة والتي كانت تعيش في ولاية أخرى أثناء وقوع الجريمة قد احتفلت
بزواجها بعد أسبوع واحد فقط من مقتل عائلتها بحجة أن الحي أبقى من الميت وأن
والدها قد طبع بطاقات الدعوة ووزعها على الأقارب والأصدقاء وأنه من غير اللائق
إلغاء حفل الزفاف أو تأجيله! لم أصدق نفسي وأنا اقرأ هذا الكلام، قضى أفراد
عائلتها في حادثة بشعة ثم تقيم حفل زفافها بعد أسبوع واحد فقط حتى قبل أن يتم
إلقاء القبض على الجناة!! مخيفة قدرة الأمريكان على تجاوز المصائب.
اذكر ذات مرة وكنت
أتحدث مع صديقة أمريكية وأروي لها قصتي فطفرت الدموع في عينيها فأسرعت واعتذرت
وقالت لي بالحرف الواحد: أنا أسفة، لم أرد أن أكون عاطفية!
وما العيب في أن تكوني عاطفية أو حتى أن تظهري مشاعرك وتعبرين عن أحاسيسك، وتذرفين دموعك كأي إنسان طبيعي، ما الداعي من تغليف مشاعرك الإنسانية بهذه الطبقة وكأنك ترتكبين جريمة في حق نفسك والأخرين.
من أو ما الذي علّم الأمريكيين فعل هذا؟ لا أدري صراحةً، لكني أدري جيدًا أن الشعب الأمريكي من الشعوب الجميلة والكريمة والمُحبة لفعل الخير والمُتعاطفة مع المستضعفين في الأرض أينما كانوا.
كان هذا الكتاب كغيره من الكتب الأمريكية التي سبق وأن قرأتها والكتب التي لم اقرأها بعد هو مدخلي لفهم المجتمع الأمريكي وطبيعته المختلفة والجديدة.
الكتاب يستحق خمس نجوم لكن الحشو والتطويل غير المبرر أسقط من التقييم نجمة.
وما العيب في أن تكوني عاطفية أو حتى أن تظهري مشاعرك وتعبرين عن أحاسيسك، وتذرفين دموعك كأي إنسان طبيعي، ما الداعي من تغليف مشاعرك الإنسانية بهذه الطبقة وكأنك ترتكبين جريمة في حق نفسك والأخرين.
من أو ما الذي علّم الأمريكيين فعل هذا؟ لا أدري صراحةً، لكني أدري جيدًا أن الشعب الأمريكي من الشعوب الجميلة والكريمة والمُحبة لفعل الخير والمُتعاطفة مع المستضعفين في الأرض أينما كانوا.
كان هذا الكتاب كغيره من الكتب الأمريكية التي سبق وأن قرأتها والكتب التي لم اقرأها بعد هو مدخلي لفهم المجتمع الأمريكي وطبيعته المختلفة والجديدة.
الكتاب يستحق خمس نجوم لكن الحشو والتطويل غير المبرر أسقط من التقييم نجمة.
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق