في بيتنا كتاب
مي ليالي إيزيس كوبيا
لـ/ واسيني الأعرج
لطالما كان هُناك حاجزًا مُبهمًا بيني وبين الكاتب واسيني
الأعرج يمنعني من القراءة له، حاولت مرارًا وتكرارًا لكني لم أفلح للأسف.
لكن وبما أنني إحدى عُشاق الآنسة مي زيادة فقد تخطيت هذا
الحاجز أخيرًا. كنتُ أتنقلُ بتكاسلٍ بين عناوين الروايات المُرشحة لجائزة البوكر
العربية حتى رأيت صورتها تتوسط غلاف إحدى الروايات، وهنا قلتُ بصوتٍ طفوليٍ
مَسمُوع: "أريد أن اقرأ هذا الكتاب! ".
لم أبدي أي اهتمام لمعرفة صاحب الكتاب هذه المرة ولم أحاول
البحث عنه حتى شرعتُ في القراءة، وبعد ثلاث أو أربع صفحات عُدت للغلاف مرة أخرى
لاستطلع اسم المؤلف، وعندما علمتُ أنه واسيني، قلتُ في نفسي ربما تكون الآنسة مي
سببًا للصلح بيني وبينه!
استطاع الكاتب (وهذا يُحسب له لا عليه) أن يخدعني ويُوهمني أنني أمام المخطوطة المفقودة
لمي زيادة والتي تتحدث فيها عن مذكراتها عن الفترة العصيبة التي قضتها في مستشفى
العصفورية للأمراض النفسية والعصبية والتي عنونتها بـ "ليالي
العصفورية".
كنتُ أحبسُ أنفاسي وأُمَنّي النفسَ بفرحة عودة الضائع للحياة
من جديد حتى وصلتُ للصفحة ٣٨ واكتشفت أنه تم خداعي بكل حرفية وإتقان، فأصابتني
خيبة أمل كبيرة وجديدة قمت على التو بإضافتها إلى مُجمل الخيبات التي تقبع في
جُعبتي المنتفخة أصلاً!
رغم ما أصابني من احباط إلا أنني قررتُ مواصلة القراءة لعل
شيءٌ ما، في الرحلة، يعوضني عما أصابني!
بما أن الكاتب حاول تقمص شخصية الآنسة مي فقد كان واجبًا عليه
أيضًا أن يحاول تقمص أسلوبها في الكتابة، فهذه المذكرات تجري على لسانها هي وليس
هو أو راوٍ أخر لذلك وجب عليه أن يستخدم لغة مشابهة للغتها الراقية والرقيقة في آن
واحد. استخدام أسلوب بعيد كل البعد عن أسلوبها أخرجني من جو القراءة وأصابني بخيبة
أمل كبيرة.
طوال قراءتي للرواية كنتُ أكرر كلماتي بغضبٍ مكتوم: "هذه
ليست مي التي عرفتها وأحببتها، مي لا تتحدث بهذه الطريقة أو هذه اللغة! حاشا لله
أن يكون هذا هو أسلوب كتابتها! لقد أراد واسيني إن ينصف مي لكنه أخفق في مسعاه ويا
فداحة إخفاقه!
إنه يقدم اعترافًا ضمنيًا من خلال هذه المذكرات المفترضة بأن
مي كانت مجنونة وهي لم تكن كذلك!
مي كانت تعاني من الاكتئاب الحاد ولم تكن أبدًا مصابة بالجنون.
لقد أصابها الحزن حتى النخاع على أثر فقدانها لوالديها ولجبران. ومما زاد الطين
بله أنها وقعت بعد ذلك ضحية لأطماع عائلتها بعد وفاة والدها ووالدتها. عائلتها
التي أرادت الاستيلاء على ميراثها بالادعاء أنها مجنونة وغير مؤهلة
لإدارتها.
لم تنصفها هذه الرواية أبدًا أبدًا، الوحيدة التي حاولت جاهدة
وبكل شرف، حسب وجهة نظري، إنصاف مي زيادة هي سلمى الحفار الكزبري من خلال كتابها
بجزءيه "مأساة النبوغ".
بت أشك أن الكاتب قد قرأ حرفًا واحدًا عن مأساة مي ولا اعرف من
أين استسقى معلوماته عنها.
هنا تجد الكثير من التجني والأوهام والأكاذيب المختلقة حول
الآنسة مي المتبتلة والتي لم تكن أبدًا لعوبًا كما يحاول أن يصورها لنا الكاتب
وكأنها تتنقل من عشيق لأخر.
لا اعرف لماذا يتملكني هذا الاحساس لقد أصبحت أجد نفسي، عندما
يأتي الحديث عن مي، ملكية أكثر من الملك ذاته! لماذا يحاولون تشويه كل ما هو
جميل في حياتنا، حتى وإن كانت هذه هي الصورة الحقيقية للآنسة مي فإني أرفضها بكل
عنادي الطفولي! أرجوكم لا تشوهوا تلك الصورة الجميلة والرقيقة التي احتفظ بها في
قلبي لها.
نعود للرواية مرة أخرى بما فيها من حشوٍ وتطويلٍ وتكرار مما
يدفع النفس إلى الشعور بالملل والرغبة في الخلاص منها بتجاوز الصفحات أو المرور
عليها مرور الكرام. لم يعجبني استخدام الكاتب اللغة الفرنسية في بعض الجمل
الحوارية والتي كان يمكن الاستغناء عنها واستبدالها بجمل عربية سليمة حيث كان يمكن
الاستعاضة عنها والتنويه فقط على أنها قيلت بالفرنسية. كما أن الكاتب أشار إلى
الجامعة الأمريكية ببيروت بـ AUB حيث أنه لم يكن
هناك داعٍ لذلك!
الحسنة الوحيدة التي خرجت بها من هذا الكتاب هو تعرفي على
شخصية مُعذبة جديدة تُضاف إلى سلسلة الشخصيات الطويلة التي أرغب في القراءة عنها
آلا وهي كاميل كلوديل.
يبدو أن الآنسة مي سوف تكون سببًا للقطيعة مجددًا مع واسيني
الأعرج! عمومًا لم أندم على قراءة هذه الرواية ولكني خرجت منها غاضبة لا أكثر!
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق