إنه الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي قام بإحراق نفسه بعد أن قام شرطي ( أو شرطية ) بصفعه على وجهه ، لم يكن يعلم البوعزيزي أنه سوف يصبح الشمعة التي تحترق لكي تنير طريق الحرية لشعب بأكمله ، كم تمنيت أن يكون السيناريو مختلف هذه المرة ، وأن تكون الصورة مغايرة ، كم كنت أتمنى أن يقوم هذا الشاب الجامعي برد الصفعة في وجه من ظلمه بدلاً من اليأس والانتحار ، لو قام برد الضربة وتعارك مع الشرطي واستشهد لكان الوضع مختلفاً الآن ، لكنا شيعناه للحور العين كشهيد للحرية والكرامة ، ولكنه للأسف اختار نهاية مأساوية وحزينة ، فلقد خسر حياته كما خسر أخرته , فكما نعلم أن المنتحر خالد مخلد في النار والله أعلم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً).
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ) .
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات ، قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ) .
إن للظلم طعم العلقم ، وكما عانى أشقاؤنا في تونس ، عانى الكثير والكثير في الدول العربية والإسلامية من ظلم وطغيان الحكام وأصحاب المعالي ، ولكن هذا لا يبرر لنا قتل النفس التي حرم الله قتلها مهما كانت الأسباب سواء أكان احتجاجاً على ظلم أو فقر أو ما شابه ذلك .
قال تعالى :( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آية 195) سورة البقرة.
وقال عز وجل : (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (آية22) سورة الذاريات.
لقد أصبح البوعزيزي نموذجاً يحتذ به ، حيث أقدم شاب جزائري على حرق نفسه وذلك بعد أن رفض رئيس البلدية أن يمنحه وظيفة ، وقام جزائري أخر بنفس الفعل وذلك احتجاجاً على إقصائه من قائمة المستفيدين من السكن الاجتماعي !
هل هذا هو الحل لمشاكلنا أو للعراقيل التي تعترض طريقنا ، أين الإيمان بالقضاء والقدر والصبر على المحن والشدائد، هل تعلمون أن البوعزيزي يتحمل إثمه وإثم من تبعه من حارقي أنفسهم ؟
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من دعا إلى هُدى كان لهُ من الأجر مثل أجور من تبعهُ لا ينقصُ ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعهُ لا ينقصُ ذلك من آثامهم شيئاً) رواه مسلم.
نحن لسنا ضد الثورة في تونس أو في الجزائر ضد الفقر والظلم والطغيان ، ولكننا ضد ظاهرة الانتحار ، أين علماء المسلمين والمشايخ ليخرجوا ويدلوا بدلوهم في هذا الموضوع ، الانتحار حرام شرعاً وهو ليس الحل ، إنما الحل في المقاومة والكفاح والجهاد للقضاء على الفساد والاستبداد والديكتاتورية ، هذا هو الحل .
"لله درك يا تونس".. أقولها لكل الشعب التونسي والعربي الذي يحلم بتحقيق الحرية والكرامة على أرضه ، هنيئاً لكم بالثورة ، هنيئاً لكم بالحرية ، والعاقبة عندنا في المسرات ، ورحمة الله عليك يا البوعزيزي وعلى كل شهدائنا الذين سقطوا ليخضبوا أرض تونس بدمائهم الزكية .
****