الخميس، 10 نوفمبر 2016

الانتخابات الأمريكية وفوز دونالد ترامب


الانتخابات الأمريكية وفوز دونالد ترامب

من خلال معاشرتي للأمريكان من أصدقاء وزملاء وجيران، أستطيع أن أتحدث بكل أريحية عن المشهد الأمريكي إبان فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية التي جرت بالأمس.

لم تكن النتائج صادمة للأغلبية الأمريكية على الأقل في المحيط الذي أعيش فيه، فالجميع هنا توقع فوز ترامب في الانتخابات سواء بفارق كبير أو صغير لا يهم، المهم أنه سوف ينجح في هذه الانتخابات على منافسته هيلاري كلينتون صاحبة السجل غير النظيف في التاريخ السياسي الخاص بها.

" لقد وقعنا في الفخ " جملة قالها عادل إمام في أحد أفلامه وهي نفسها لسان حال الشعب الأمريكي الذي يعتقد بأنه قد وقع في الفخ أو بمعنى أصح وقع بين المطرقة والسندان فهو في موقف لا يحسد عليه حيث يجب على الشعب أن يختار بين السيئ والأسوأ، والسيئ هنا هو ترامب والأسوأ هي كلينتون.

ولأن " اللي بيجرب المجرب عقله مخرب" وهو مثل فلسطيني مشهور، فالشعب الأمريكي قرر التصويت لصالح ترامب فهو جديد على الساحة السياسية وليست له سوابق أو سمعة سيئة في تاريخه باستثناء كونه " زير نساء " وهذا لا يهم الأمريكان كثيرًا فإنهم يستطيعون التغاضي عن هذه النقطة وخاصة إذا ما قورن بسوابق هيلاري كلينتون السياسية السيئة ، فهيلاري أو " كيلاري" كما يحب البعض مناداتها هي امرأ ة عجوز شمطاء كاذبة في نظر الكثيرين هنا، فلقد كذبت على الشعب الأمريكي في عدة مواقف سابقة خلال فترة تواجدها في البيت الأبيض كزوجة للرئيس بيل كلينتون في الفترة (1993-2001) وخلال تواجدها كوزير خارجية في عهد الرئيس "السابق" باراك أوباما في الفترة (2009-2013).

لذلك فهم يعرفونها جيدًا ولن يسمحوا لها بالعودة إلى البيت الأبيض مرة أخرى مهما كان الثمن أو بالأصح حتى لو كان الثمن هو فوز ترامب بالانتخابات.

كما أن الشعب الأمريكي عانى من القوانين التي تم سنها في عهد أوباما والمتعلقة بالرعاية الصحية وسن التقاعد ومشاكل اجتماعية واقتصادية أخرى لذلك فإنهم يرغبون في إعطاء الحزب الجمهوري الفرصة ليرون إذا كان قادرًا على حل هذه المشاكل أم لا.

ذهبت الغالبية الأمريكية للاقتراع بالأمس بعيون غائمة وقلوب واجفة خائفة من المستقبل الضبابي لبلادهم، كان هناك حالة من الترقب ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه، لم يكن هناك عرسًا ديمقراطيًا بل كان الأمر أشبه ببيت عزاء ، لقد رأيت الناس تغادر أماكن الاقتراع وهم متجهمي الوجه أو بالأصح بلا ملامح واضحة.

ومن الجدير بالذكر أن ما حدث هنا هو نفسه ما حدث بعد نجاح الثورة المصرية، فقد انحسرت الانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية بين مرشح الإخوان محمد مرسي وبين مرشح النظام البائد أحمد شفيق، وبالطبع كان الشعب المصري في موقف لا يحسد عليه ولم يكن أمامه إلا انتخاب " الأقل سوءًا" مع احترامي لمؤيدي كليهما.

ورغم الانقلاب الذي قام به الجيش المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي ضد محمد مرسي وعزله عن الحكم فأنا لا أتوقع نفس السيناريو مع ترامب، فالقوانين الأمريكية والكونجرس الأمريكي ومصلحة أمريكا العظمى قادرة على ضبط مسار ترامب السياسي دون تجديف خارج التيار أو خروج عن النص الأمريكي دون الحاجة لانقلاب أو خلافه.

لماذا ترامب وليس كلينتون:

عندما سألت بعض أصدقائي وجيراني وزملائي عن الأسباب التي دفعتهم للتصويت لصالح ترامب كانت الإجابة مشابهة لما ذكرته بالأعلى ومنهم من كان عنده أسباب أخرى مثل:

" لقد انتخبت ترامب لأنني على يقين بأننا كأمريكان نستطيع بسهولة أن نخرجه من البيت الأبيض بعد فترة الأربع سنوات من حكمه لكن بالنسبة لكلينتون لن نستطيع إخراجها " ولو بالطبل البلدي " من البيت الأبيض قبل انقضاء ثماني سنوات كاملة".

" لقد انتخبت ترامب رغم كوني متعاطفًا مع اللاجئين والمسلمين ورغم كونه شخصًا عنصريًا تجاه الآخرين لكنني متأكدًا بأنه لن يقوم بأي فعل جنوني أو عنصري تجاههم لأنه محكوم بمنظومة سياسية معينة ، فنحن دولة مؤسسات والرئيس هو فقط موظف في هذه المؤسسة وإذا اخطأ أو جانب الصواب هناك من سوف يردعه سواء من قيادات حزبه أو الحكومة أو الكونجرس الأمريكي".

" لقد صوتت لصالح ترامب لأننا في موقف لا نحسد عليه ، فعندما يتوجب على الشخص أن يختار بين السيئ أو الأسوأ فعليه أن يختار الأقل سوءًا، وهذا ما حدث".

" لقد أدليت بصوتي لصالح ترامب ، ليس حبًا فيه ولكن كرهًا في كلينتون!".

" أنا لست بمجنون حتى انتخب كلينتون التي تكن العداء لروسيا والتي يمكنها بغبائها أن تتسبب في حرب بيننا وبين الروس وهذا أحد الأسباب التي جعلتني انتخب ترامب حيث لديه علاقة ودية مع بوتين فنحن لا نريد خلق أعداء جدد لنا".

" أنا امرأة لكني لن انتخب كلينتون ومن المعيب حقًا على النساء أن ينتخبن كلينتون لمجرد أنها امرأة بغض النظر عن أخطائها وتاريخه السياسي القذر".

هذه عينات من أراء الأشخاص الذين سألتهم ولقد اشترك الكثير من الأمريكيين معهم في نفس الأسباب، هذا ما يحدث على أرض الواقع وليس كما تحاول وسائل الإعلام سواء العربية أو الأمريكية نقله للمشاهد.

الشعب الأمريكي شعب طيب وعاطفي ويشبه الشعوب العربية في كثير من الصفات، لكن ما يميزهم عنا هو ارتفاع منسوب الأخلاق في ضمائرهم وذلك بسبب ارتفاع سقف الحريات الممنوحة لهم والتي نفتقر إليها للأسف في مجتمعاتنا العربية.

ولنكن على دراية كافية بأن من انتخب ترامب ليس بالضرورة أن يكون عنصريًا مثله أو موافق على آرائه العنصرية تجاه العرب والمسلمين والأقليات واللاجئين، فمن انتخب ترامب قد انتخبه لأنه لا يريد لكلينتون أن تفوز، لذلك من الظلم والإجحاف اتهام الشعب الأمريكي بأنه شعب عنصري لمجرد أنه صوت لصالح ترامب.

" الكلام ليس عليه جمرك"  كما يقول المثل الفلسطيني المعروف، لذا دعوكم مما يتفوه به ترامب من كلمات ضد اللاجئين والمسلمين، فهو لا يستطيع أن يمنع المسلمين من دخول أمريكا ولا يستطيع طرد اللاجئين، ربما يتسبب بمزيد من التضييق على دخولهم لأمريكا لكنه لا يستطيع أن يؤذي أي مسلم أو لاجئ فأمريكا رغمًا عن أنفه بلد متقدم  يدعم الحرية الفردية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وهي ليست دولة من دول العالم الثالث.

أنني اعتقد أن عدو واضح صريح مثل ترامب أفضل ممن يرتدي ثوب الصديق وهو يكن لنا كل الكره والحقد الدفين، لذلك من المضحك أن نرى بعض العرب وقد شعر بالأسف لخسارة كلينتون للانتخابات ظنًا منه أنها أفضل حالًا من ترامب " ما أسخم من سيدي إلا ستي".

وأحب أن اذكركم ونفسي بما حدث عند فوز باراك أوباما عندما ظن بعض السذج منا أنه ولكونه أسودًا ومنحدرًا من أصول مسلمة فسوف ينصف المسلمين وينحاز لصفهم وهذا طبعًا ما لم يحدث بالمطلق واستمرت أمريكا في نهجها المتعارف عليه والمتبع منذ الأزل، وهذا ما سوف يحدث بالضبط مع ترامب سوف يتبع نهج السالفين ، نعم سوف يكون له بعض الأفكار المتطرفة أو الغربية لكن سوف يجد من يوقفه عند حده ويحجم شططه ويلجم جنونه.

إذن لا خوف من ترامب ولا خوف على أمريكا ومستقبلها(!) ولا خوف على العائلات المسلمة التي تعيش في أمريكا ولا على المهاجرين أو اللاجئين، كل ما في الأمر أن الشعب الأمريكي سوف يحظى برئيس غريب الأطوار لمدة أربع سنوات قادمة على الأقل، أما نحن كعرب فسوف نحظى بوجبة دسمة من الضحك المبكي وسوء الحظ، كما سوف يستمر دعم أمريكا المطلق لإسرائيل ولن تتغير نظرة الحكومة الأمريكية تجاه العرب والمسلمين لا إيجابيًا ولا سلبيًا بل سوف تبقى كما عاهدناها من قبل.

ارتاحوا وأعدوا كمية كبيرة من الفشار وأجلسوا أمام شاشات التلفاز وتابعوا تطورات الأحداث بصمت وشغف.

اطمئنوا لن يحدث شيءٌ جديد، فالأوضاع مستتبة، كل ما في الأمر أن صناعة " الكوميكس " سوف تزدهر قليلًا!!

ملاحظة متعلقة بالنص:

بعض أصدقائي الأمريكان عبروا عن أسفهم الشديد لي بسبب فوز ترامب، لكنهم فوجئوا بي عندما أخبرتهم بأنني غير آسفة وأنني لستُ حزينة أصلاً.

****


هناك تعليقان (2):

  1. أحسنتي يا امتياز والله
    وهذا ما قلته لأحدهم عندما سألني أيهما أفضل
    قلت : ما أسخم من سيدي إلا ستى
    والإعلام في كل مكان يختار مصالحه
    وكان يظن أنها مع كلينتون
    فلما تولى ترامب
    بدأت الأبواق تميل :)
    وكما نقول نحن المصريون
    بكرة نقعد ع الحيطة ونسمع الزيطة :)

    ردحذف
    الردود
    1. سعيدة أنه المقال أعجبك
      شكرا لمرورك وتعلقيك

      حذف