الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

حنة


في بيتنا كتاب
حنة لـ / شيرين سامي


سعادتي لا توصف عندما يرسل أحدهم كتابًا ورقيًا لي كهدية، وهذا الكتاب له معزة خاصة في قلبي لأنه صاحبته الجميلة أرسلته لي من مصر وقد عملت ما باستطاعتها حتى يصل لي بالسلامة وقد كان.

عندما وصلت هذه الرواية ليدي كنتُ في غاية التعب والإرهاق، فقد كان يومي شاقًا وطويلًا وممطرًا ورغم ذلك حملت نفسي وذهبت قبل منتصف الليل بقليل لبيت أختي في مدينة أخرى حتى أحصل على الكتاب منها لأنها هي التي أحضرته معها من مصر، ورغم خطورة القيادة في الليل وخاصة أثناء هطول الأمطار الغزيرة إلا أنني أصررت على الذهاب والحصول على الكتاب وعدت إلى البيت منهكة ابحث عن سريري لأنام، لكني لم أتمكن من النوم فشرعت في القراءة حتى أوشك الفجر أن يطلع وأنا مستغرقة في قراءة الرواية.

كعادة شيرين في كتاباتها بدأت الرواية بداية قوية ومشجعة على القراءة وأنستني تعبي وإرهاقي وشدت انتباهي لدرجة جعلتني انتهي من قراءتها في وقت قياسي بالنسبة لي "خاصةً في الآونة الأخيرة" وهو ثلاثة أيام.

الرواية تتناول فئة معينة من النساء وهن الضعيفات المغلوبات على أمرهن، ولقد أعجبني طريقة شيرين في عرض مشاكلهن وأنا لا ألومهن على ضعفهن لأن هذه النوعية من النساء موجودة في محيطنا ومجتمعاتنا.

لغة شيرين سامي لغة شاعرية، تستمتع وأنت تقرأ لها، شيرين تكتب بروحها وليس بقلمها، هذا الكلام وهذه الكلمات لا تخرج إلا من شخصية مبدعة متدفقة لديها المزيد والمزيد مخبأ هناك في صندوق أسفل سريرها، وهي تشاركنا بالقليل فقط من كنوزها الدفينة، حتى أن أسلوب شيرين ،صدقني، سوف يجعلك تتغاضى عن اختلافك مع شخصيات أبطالها.

من الجلي أن لدى شيرين القدرة على وصف المشاعر الإنسانية وإيصالها للقارئ بكل سهولة ويسر، فهي تقرأ وتسمع وتسجل الملاحظات والأحداث اليومية وتحاول أن تستفيد منها في كتاباتها.

كما أن شيرين لديها القدرة الواضحة والسليمة على رسم لوحات المكان بإتقان، فأنت معها ترى الأماكن وتسمع الأصوات وتشم الروائح المختلفة.

مدى الصدق في نقل ووصف المشاعر يجعلك تتخيل أن الكاتبة تتحدث عن نفسها وهذه تبقى مشكلة من يعرف شيرين معرفة شخصية وبالتالي هي مشكلتي لأنني أكاد أعرفها معرفة قد تكون شخصية لذلك قد يحدث خلط بين شخصيتها الحقيقية وشخصياتها النسائية في رواياتها، ومن هنا تأتي نصيحتي لنفسي ولغيري من القراء بضرورة الفصل بين شخصية الكاتبة والشخصيات التي تكتب عنها، فهذه هي مجرد شخصيات وهمية صنعها خيال المؤلفة وليست انعكاس لصورة الكاتبة نفسها، لذلك يجب علينا أن ندرك نحن معشر القراء أننا نقرأ قصة من نسج الخيال وليس سيرة ذاتية.

ما لم يعجبني في الرواية:

أولاً الغلاف فللأسف لم يعجبني كثيرًا بخلاف غلافي روايتها "قيد الفراشة"أو كتابها الأول " كتاب بنكهة مصر"، فقد جاء باهتًا وغير لائق لرواية رائعة مثل "حنة"، هذا طبعًا رأي شخصي وليس الهدف منه التعميم.

ثانيًا الجملة الوحيدة التي لم تعجبني كثيرًا في الرواية هي أن حنة كل النساء وكل النساء حنة، فكرة التعميم لم تعجبني كثيرًا، ما ذكرته شيرين هو ثلاث نماذج من المرأة الضعيفة والتي تتعرض لظلم الرجل لكن أين هو نموذج المرأة القوية في الرواية والتي لا يهمها زمان ولا يكسرها رجل حتى أشعر معها بالتوازن، ورغم اعترافي بأن الرواية واقعية جدًا وأن النماذج التي ذكرتها شيرين هي نماذج حقيقية لكن اعتراضي فقط في التعميم وهو نفس اعتراضي على الانطباع الذي وصل لي من خلال الرواية وهو أن الفتاة المصرية تمنح جسدها بكل سهولة لأي رجل تحت غطاء ما يسمى بالحب وهذا أيضًا غير صحيح.

ثالثًا وأخيرًا، لا يوجد في الرواية أخطاء إملائية أو نحوية قاتلة لكن الهفوات الصغيرة التي تسقط من المدقق اللغوي كتصحيح التاء المربوطة والهاء واهتمامه فقط بالتدقيق النحوي شيء ينرفزني ويخرجني من حالة الاندماج في القراءة، هذه مشكلة شخصية عندي كـ امتياز ولا أستطيع تجاوزها تحت أي ظرف كان، اعتقد أنني أعاني من فوبيا الهاء والتاء المربوطة والله أعلم!

أما ما أعجبني من الرواية فحدث ولا حرج، الرواية كتلة من المشاعر والأحاسيس الإنسانية المتدفقة، انتقاء جميل للعبارات والجمل، توظيف رائع للشخصيات والأحداث، واستخدام تشبيهات وصور بلاغية في غاية الجمال وقدرة الكاتبة على شد انتباه القارئ وإجباره على التوقف عند جمل معينة في الرواية وعدم تجاوزها لأنها من الجمل التي تترك أثرًا في النفس عند قراءتها كما أنها تجبر القارئ على التقدم في القراءة بهدف المزيد من الاستمتاع بالنص ومحاولة استباق الأحداث للكشف عن النهاية والتي جاءت كمفاجأة غير متوقعة اعتقد بالنسبة لي وللكثير من القراء.

 كما أعجبني أيضًا توظيف التجارب الشخصية والاستفادة منها بعد نفي صفة الشخصية منها في البناء الدرامي للرواية وهذا ما فعلته شيرين عندما أدخلت تجربتها في دبي وأداءها للعمرة في صلب الأحداث.

كيف تعلم امتياز بأن الرواية قد أعجبتها ولمست شيئًا في روحها ؟ الإجابة هي عندما تقتبس امتياز العديد من فقرات الرواية وتشاركها مع أصدقائها على الفيس بوك ، وهذا ما حدث مع رواية شيرين الجديدة، فالرواية مليئة بالاقتباسات الجميلة والعبارات المنغمة التي تلامس شغاف القلب.

طوال قراءتي للرواية وأنا أقول بيني وبين نفسي: " الجميل لا يكتب إلا كل جميل"!

ولأنني تقليدية فقد أحببت النهاية التقليدية للرواية ، فأنا قارئة أحب أنه عندما انتهي من الرواية أكون قد اطمأننت على كافة الشخصيات فيها ومصائرهم، فأنا لست من هواة أو محبي النهايات المفتوحة التي تترك القارئ على مفترق طرق، أحب النهايات المُرضية لي ولأبطال الرواية نفسها ، أحب أن أغلق الصفحة الأخيرة وأنا مطمئنة كل الاطمئنان أن الجميع قد أصبح بخير أخيرًا.

شيرين صاحبة موهبة لا يختلف عليها اثنان، وفي اعتقادي لو استمرت على هذا المنوال لا استبعد أن تكون خليفة رضوى عاشور في الأدب الروائي المصري لذلك يجب عليها ألا تتقوقع داخل ما يسمى بالأدب النسائي أو الأنثوي بل يجب أن تتعداه لكل أنواع الأدب سواء التاريخي أو السياسي أو الاجتماعي.

أتمنى لصديقتي الكاتبة المتميزة المزيد من الإبداعات وفي انتظار جديدها على أحر من الجمر، فهي من المؤلفين الذين يسعدني اقتناء كل ما خطت أيديهم ويفرحني تزيين مكتبتي بكل مؤلفاتهم.


****

هناك 5 تعليقات:

  1. شكرًا للتدوينة وللعرض.
    أظن أن كلامك عن الرواية:

    "... قد اطمأننت على كافة الشخصيات فيها ومصائرهم، فأنا لست من هواة أو محبي النهايات المفتوحة التي تترك القارئ على مفترق طرق، أحب النهايات المُرضية لي ولأبطال الرواية نفسها"

    سيحفزني على قراءتها.

    ردحذف
    الردود
    1. هي تستحق القراءة فعلا، وربما حفزتك الاقتباسات التي اقتبستها منها والتي سوف انشرها في التدوينة القادمة أيضًا لقراءتها.

      حذف