في بيتنا كتاب
سفر التيه لـ / محمد
إبراهيم
في الآونة الأخيرة اكتشفت أنه لا يوجد عندي قواعد أو قوائم
قراءة ملتزمة بها، وهذا الشيء بدأ يزعجني وبشدة. تعودت أن أضع الخطط المسبقة لقراءة
كتب بعينها في أول كل شهر لاكتشف في نهايته أنني لم أقرأ أي شيء منها بل تجاوز
الوضع واكتشف أنني قرأت ما لم يخطر على بالي ولم يكن بالحسبان أبدًا.
وفي نهاية شهر فبراير ومع تراكم الكتب التي أرغب في قراءتها
قبل نهايته وجدت نفسي اختار رواية سفر التيه للصديق محمد إبراهيم وأشرع في قراءتها
لأجدني وقد التهمتها في جلسة واحدة قصيرة.
نبدأ من عنوان الرواية والذي يفتح شهية القارئ للتساؤل عن
المعنى الذي يقصده الكاتب من "سفر" وهل هي "سَفر" أو "
سِفر" بفتح السين أم بكسرها وإن كنتُ أميل للأخيرة فهي الأصلح للرواية من
وجهة نظري.
جاءت بداية الرواية قوية ومتماسكة جدًا حيث نرى الكاتب وقد بدأ
يسحبنا معه ليدمجنا في روايته وحكايات أبطاله الخمسة المتشعبة والمترابطة في نفس
الوقت.
للكاتب قدرة على التلاعب في الألفاظ بالإضافة إلى استخدام
الجمل المتناسقة والمُتروية التي تقرأها بتمهل مستمتعًا بما خطته أنامل الكاتب حيث
تشعر بأنه قد تشرَّب حد الثمالة من كتابات الأدباء الكبار حتى تشبع منها وكاد أن
يصير واحدًا منهم، فلا تشعر هل يكتب وهو متقمصًا شخصياتهم أم متماهيًا مع طريقتهم
في الكتابة!
الحاصل أنك تخرج من الرواية وأنت تشعر بأنك تقرأ لكاتب موهوب
يجيد استخدام أدواته بشكل كبير.
ما أعجبني في الرواية:
أولاً موضوع الرواية نفسه وتناول مسألة سيناء وأهلها ووضعها
تحت بؤرة الضوء مرة أخرى من خلال رحلة الموت التي خاضها الأبطال في أحد جبالها.
ثانيًا لغة الكاتب الجميلة والمتناسقة والسلسة في الانتقال بين
الشخصيات وتمثيلهم خير تمثيل.
ما لم يعجبني في الرواية:
أولاً فكرة الرواية جميلة إلا أن الكاتب لم ينجح في إيصالها
بشكل تام أو واضح، كان الحديث مقتضبًا ومجزوءًا. قضية سيناء متشعبة وثرية وكان
يمكن للكاتب التوسع في الحديث عنها ومناقشة كل قضاياها وبمصطلح الحائكين "
قماشتها عريضة وواسعة" لكن للأسف الكاتب لم يستغل هذه النقطة وجاء حديثه
مختصرًا ومهلهلاً.
ثانيًا جاء صوت الراوي متحدثًا كل مرة بصوت بطل من أبطال
الرواية ثم فجأة نجده عندما اقتربت الرواية للنهاية يتحدث بلسانهم جميعًا بصوتٍ
واحد وقد كنتُ أتمنى لو استمر على نفس المنوال في حتى النهاية.
ثالثًأ أقول دائمًا لنفسي أن آفة الكُتَّاب الشباب هو التسرع
كلما اقتربت النهاية، مشكلتنا ككتاب شباب يكمن في " القفلة" أي قفلة
الرواية وهذا يحدث معنا جميعًا ولا استثني أحدًا إلا من رحم الله. فالرواية تسير
بخطى ثابتة وواضحة وفجأة تجد الكاتب وقد تسرع ولم ينتظر نضج روايته على النار التي
أوقدها وهذا بالضبط ما حدث هنا، نجد الكاتب وقد أسدل الستار عليها قبل الأوان. لقد
أنهى الرواية قبل أن تبدأ فعليًا، كنت اقرأ وأنا في انتظار رحلة الموت وعن ماذا
سوف تتكشف لكني فوجئت بالنهاية المبتورة للرواية.
رابعًا كنتُ أتمنى على الكاتب لو أنه استفاض بالحديث عن شعور
كل بطل من أبطاله أثناء رحلتهم إلى سيناء وعندما هاجمهم الموت بردًا في حضن الجبل،
كنتُ انتظر المصارحات والتجليات التي سوف يعلن عنها الأبطال في لحظة اقتراب الموت
منهم، كنتُ انتظر من سوف يدافع عن رفيقته أو من سوف يحاول النجاة بنفسه دونها، كنتُ
انتظر من سوف يعترف بأخطائه ويتمنى لو أن القدر يمهله حتى يصلح ما يمكن إصلاحه.
لكن للأسف لم أجد شيئًا من هذا القبيل في النهاية. فجأة عرفت أن بطلي الرواية قد
استطاعا الهرب بطريقة ما لم يذكرها الكاتب من الموت ثم فوجئنا بموت إحدى بطلاته
دون مقدمات أو حتى حوار قصير متبادل مع رفيقها أو حتى مقدمة لموتها بينما ترك مصير
الأخرى مجهولاً وهذا ما خيب آمالي في الرواية التي بدأت قوية لتنحدر للأسف حيث
النهاية المبتورة بشكل غير مبرر.
وفي النهاية لو قارنتُ بين " في بلاط الخليفة" وبين
" سِفر التيه" فاعتقد أن الأخيرة قد خسرت في المقارنة للأسف.
لكن أعود وأقول أن هذا لا يمنع أن الكاتب مبدع وموهوب وإن أخفق
بعض الشيء في هذه الرواية من وجهة نظري الشخصية غير الملزمة لغيري من القراء فكل
قارئ له رأيه الشخصي الذي يُحترم وما يعجبني قد لا يعجب غيري والعكس صحيح فلولا
الاختلاف لبارت السلع كما يقولون.
أتمنى أن يتسع صدر الصديق محمد إبراهيم لهذا الرأي في روايته
والتي أهدف من خلالها وضع بعض الملاحظات التي قد يستفيد منها الكاتب في كتاباته
القادمة من باب النقد البنَّاء وليس الهدَّام.
ورحم الله عمر بن الخطاب عندما قال: "رحم الله امرأَ أهدى
إليّ عيوبي".
كل التوفيق وفي انتظار الرواية القادمة بكل شغف ومحبة وتقدير.
***