الثلاثاء، 26 يوليو 2016

جوستين


في بيتنا كتاب
جوستين
لـ / الماركيز دو ساد


قبل أن ابدأ في الحديث عن هذه الرواية الثقيلة على القلب ، أحب أن أتطرق للحديث عن مؤلفها وهو الماركيز دو ساد والذي نال شهرة واسعة لميوله العنيفة وحبه لتعذيب وإيذاء الغير بهدف الحصول على المتعة ، وينسب للماركيز دو ساد مصطلح من أشهر مصطلحات الأمراض النفسية وهو " السادية ".

والسادية تعني الحصول على اللذة والمتعة عن طريق تعذيب الآخرين وإيذائهم نفسيًا أو جسديًا أو جنسيًا.

ولقد كتب هذا المختل العقلي والمنحل المريض هذه الرواية بينما كان يقبع في إحدى السجون أو في إحدى المصحات العقلية كما قيل.

في هذه الرواية ، يدافع الكاتب المجنون عن الشر ويسوق مبرراته ، وقد أعطى أبطاله الأشرار الحق في شرح وتبرير جنونهم وشذوذهم ومنحهم مساحة كبيرة من الرواية يبثون من خلالها سمومهم وقذارتهم ويدافعون عن أفعالهم المنحلة وتصرفاتهم الشريرة.

وفي المقابل لم يعطِ جوستين الطيبة البريئة صاحبة الفضيلة والعفاف نفس الفرصة أو المساحة لعرض رأيها أو الدفاع عن مبادئها بل جعل حجتها واهية ضعيفة باهتة وهي التي تدافع عن الفضيلة ليجعل منها أمام القراء محامية فاشلة تدافع عن قضية خاسرة ، وقد كانت رسالته التي حاول إيصالها واضحة وهي أن الشر هو من ينتصر في النهاية ولا مكان للخير في هذا العالم.

طوال هذه الرواية يعرض لنا الكاتب رجال أشرار لا يمكن تصديق وجودهم ، فالعالم لا يخلو من الرجال الأخيار ، ولكن هذا الكاتب المجنون لم يلقِ بأحدهم في طريق جوستين أبدًا وكأنها الوحيدة  في هذا الكون التي تحمل الفضيلة في قلبها في عالم يغص بالأشرار فقط.

وقد صور لنا الكاتب غالبية نساء الرواية ، باستثناء مدام ديبو وامرأة أخرى ، كنساء مغلوبات على أمرهن ، ذليلات ، عاجزات عن الدفاع عن أنفسهن أمام هؤلاء الرجال الذين كانوا عبيدًا لملذاتهم الدنيئة وجعلهن يخضعن لسطوتهم وجنونهم في البحث عن اللذة الممنوعة والمحرمة ، كما حاول أن يثبت أن المرأة أيضًا إذا دعتها قدرتها على ظلم امرأة أخرى فإنها لن تفوت الفرصة أبدًا.

تشعر وأنت تقرأ أن جميع الأبطال في الرواية ينطقون بلسان واحد وإن اختلفت أسماؤهم وأعمالهم ، فهم يحملون نفس الفكر الشاذ ونفس الفلسفة المجنونة والتي حاول الكاتب الترويج لها ، هؤلاء الأبطال هم أنفسهم الكاتب المجنون السادي وينطقون بلسانه ويحملون فكره العقيم ويدافعون عن فلسفته الشاذة.

هذه الفلسفة المريضة التي يؤمن بها الكاتب حجتها ضعيفة وإن حاول الكاتب خداعنا وإيهامنا بأنها عكس ذلك ، فأنت لن تستطيع تصديقها لأنها تفتقر للمنطق ، فلا أحد يصدق أن جوستين البائسة تمضي في حياتها دون أن تقابل إنسان واحد صالح أو سوي ، وكأنهم غير موجودين في هذا العالم ، وهذا غير صحيح بالمطلق ، فالله عادل لن يرضى بهذا الظلم البين أبدًا ، كما أن الدنيا بها الشر والخير وهناك توزان بينهما ، وليست قائمة على الشر فقط ، فالحياة ليست هكذا أبدًا ، وحتى لو افترضنا أن ما حدث مع جوستين هو ابتلاء من الله ليختبر إيمانها ، فعلى الأقل يجب أن تأتي نهاية الرواية لصالحها ، فإن الله في النهاية يكافئ الصابرين والمبتلين بصبرهم على الابتلاء وهذا هو العدل.

لكن الكاتب هنا لا يؤمن بالله ولا بالعدل ، بل يؤمن بالشر المطلق ولذلك جاءت نهاية الرواية كما يريدها ويتمناها هو ، حتى وإن كانت تخالف الطبيعة أو المنطق ، المهم أن النهاية ترضيه وتشبع غروره وساديته.

وأخيرًا لست نادمة على قراءة هذه الرواية ، بل سوف تبقى عالقة في بالي لفترة طويلة رغم ضعفها من الناحية الأدبية ، لكنها تبقى تجربة خضتها ولن أنساها بسهولة.

اقتباسات من الرواية:






******



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق