الأربعاء، 20 يونيو 2012

كلثوم نصر عودة فاسيليفا





سلسلة " هؤلاء أسلافي " 
(1)

كلثوم نصر عودة فاسيليفا

ولدت كلثوم عودة في مدينة الناصرة في 2 نيسان عام 1892 م في دار " نصر عمده" في حارة الروم قرب العين ، لم تحظى كلثوم بالحب والاهتمام كونها البنت الخامسة للأسرة التي لم ترزق بالصبي ، بالإضافة إلى كونها قليلة الحظ في الجمال ، مما سبب لها بعض الإحراج وجعلها تبتعد عن الناس والمجتمع وتتجه نحو العلم والتعلم .

كتبتْ في سيرتها الذاتية : " لقد استقبل ظهوري في هذا العالم بالدموع والكل يعلم كيف تستقبل ولادة البنت عندنا نحن العرب وخصوصاً إذا كانت هذه التعسة خامسة أخواتها , وفي عائلة لم يرزقها الله صبياً وهذه الكراهية رافقتني منذ صغري فلم اذكر أن والدي عطفا علي يوماً , وزاد في كراهيتهما لي زعمهما أني قبيحة الصورة فنشأت قليلة الكلام كتومة أتجنب الناس ولا هم لي سوى التعليم ".

وكانت تلقب وهي صغيرة بـ"ست سكوت" أو "سلولة".

تلقت كلثوم تعليمها الابتدائي في مدرسة روسية  في الناصرة ، ثم انتقلت إلى دار المعلمات " السمينار الروسي " في بيت جالا وهناك تعلمت على يد الأستاذ خليل السكاكيني ، وقالت في ذلك : 

" لم أر باباً للفرح إلا بالعلم ولم يكن سوى مهنة التعليم في ذلك الوقت تباح  للمرأة … وقد كانت العادة قبل الحرب أن من يكون أول تلميذ في المدارس الروسية الابتدائية يتعلم في القسم الداخلي مجاناً وبعدها يحصل على رتبة معلم فعكفت على العمل وبلغت مرادي ، والفضل في هذا لوالدي إذ أن والدتي المرحومة قاومت بكل ما لديها من الوسائل دخولي المدرسة" .

وقالت أيضاً: "العجيب في الأمر أن البنات اللواتي يذهبن إلى المدرسة للتعلم كن إما ذوات عاهات جسدية أو قبيحات وبكلمات مختصرة ممن لم يتقدم أحد للزواج منهن" .

في سن السادسة عشر أنهت دراستها وعادت إلى الناصرة حيث بدأت في مزاولة مهنة التدريس في مدارس الجمعية الروسية ، وهناك تعرفت على المستشرق إغناطيوس كراتشكوفسكي المفتش الروسي المبعوث من قبل الجمعية الروسية والذي كان يتفقد مدارس الجمعية في ذلك الوقت حيث زار فلسطين بين أعوام 1908 -1910.

وقد ذكرت زوجة كراتشكوفسكي أن كلثوم قد أنشدت عند وداع زوجها أغنية تقول كلماتها :

أحبابنا قد وقفنا كي نودعكم
وقلبنا بلهيب الحزن يشتعل
حان الفراق فها أنا أودعكم
تذكروني حتى لفظت بخاطركم
وزودوني أيا عيني برؤيتكم
هيهات عيني بعد الآن تنظركم
خذوا فؤادي يذوب لوعة معكم
وغادروا قلبا يشكو من فرقتكم
فهل أودّع روحي أم أودّعكم
فسيروا بأمن فإن الرب يحفظكم

تزوجت كلثوم من طبيب المدرسة الداخلية الروسية ايفان فاسيليفا عام 1913م على الرغم من معارضة عائلتها لهذا الزواج ورحلت معه إلى روسيا وأنجبت منه ثلاث فتيات ثم التحق بالجيش الأحمر وأصيب هناك بمرض التفوئيد وتوفى عام 1919 م تاركاً خلفه زوجته وبناته الثلاث.

عملت كلثوم كممرضة في الصليب الأحمر خلال الحرب العالمية الأولى ، وبعد وفاة زوجها عملت في فلاحة الأرض كما واصلت مسيرتها الأكاديمية وحصلت على شهادة الدكتوراه في عام 1928 وكانت أطروحتها عن اللهجات العربية ، وتعتبر كلثوم عودة أول امرأة عربية تنال لقب بروفسور من الاتحاد السوفيتي .

وقد عملت في مجال الترجمة من اللغة الروسية للعربية وبالعكس ، فترجمت رواية " الأرض واليد والماء" للكاتب العراقي ذو النون أيوب إلى اللغة الروسية ، كما ترجمت كتاب " محمد عياد الطنطاوي " للمستشرق كراتشكوفسكي إلى اللغة العربية .

كما تعتبر كلثوم عودة أول امرأة عربية شغلت مركز عضو في جمعية العلاقات الثقافية السوفيتية مع البلدان العربية ، وقد نالت ”وسام الشرف” عام 1962 بمناسبة عيد ميلادها السبعين، وأحرزت الميدالية الذهبية مرتين تقديراً لجهودها العلمية.

وقد تم منحها الوسام السوفييتي "الصداقة بين الشعوب" تقديراً لدورها الثقافي والسياسي في روسيا ، كما منح اسمها وسام القدس للثقافة والفنون عام 1990.

فازت بجائزة مسابقة مجلة الهلال المصرية سنة 1947 والتي كانت بعنوان" كيف يعيش المرء هنيئاً".

كما قامت بكتابة بعض المقالات ونشرها في مجلات عدة مثل "النفائس العصرية" في حيفا و"الهلال" في القاهرة و"الحسناء" في بيروت.

قالت عنها المؤرخة السوفييتية .د.نتاليا سيرجيفنا لوتسكايا :

" لقد علمتنا كلثوم عوده الكثير الكثير فقد غرست في قلوبنا حب الشرق وحب فلسطين ، لقد غرست في قلوبنا محبة شعبكم الذي ناضل وما زال يناضل من اجل حريته واستقلاله ، لقد تعلمنا الكثير من كلثوم التي كنت ترى دوما في عينيها الشوق والحنين للوطن الأم فلسطين , وكانت كثيرا ما تتذكر الأيام الصعبة التي مرت بها عند انتقالها مع زوجها للعيش في روسيا وأصبحت كلثوم مثالاً لجميع من عرفها ".

وكتب الشاعر والصحفي والمفكر سالم جبران:

" إن سيرة حياة كلثوم عودة هي سيرة حياة إنسانة عظيمة موهوبة, مجتهدة وهبت عمرها كله لبحث الثقافة العربية الكلاسيكية وبناء جسر اللقاء الحضاري بين روسيا والعالم العربي".

وكتب الشاعر
 توفيق زياد عنها :

"إن اسم كلثوم عودة معروف على أوسع نطاق في الأوساط السوفيتية ذات الصلة بالاستعراب والعمل الدبلوماسي والأدب العربي والبلاد العربية عموماً ، إن أعداداً كبيرة من المستعربين قد درست اللغة العربية جيلاً بعد جيل على يديها".

على الرغم من ابتعاد كلثوم عن فلسطين إلا أنها كانت تحمل دائماً في قلبها حبها لبلدها وفخرها بكونها عربية فلسطينية ، فقد زارت فلسطين عام 1928 وشبهت مدينة يافا بمدينة باريس ، وقابلت العديد من أدباء ومثقفي فلسطين ، كما قابلت الحاج أمين الحسيني الذي أبدى لها رغبته في بقائها  في البلاد ولكنها رفضت بسبب الضغوطات التي تعرضت لها ، وفضلت العودة إلى روسيا وذكرت ذلك في مذكراتها :

" إن روسيا لم تعد غريبة عني وقد أحببتها وأحببت الشعب الروسي ووجدت مكاني أن أحيا في هذه البلاد في الثورة التي أحسستها في تلك الأعوام بقلبي أكثر مما فهمتها بعقلي ".  

كان لها الفضل في تعريف الروس على الثقافة العربية وبناء جسر حضاري بين الاتحاد السوفيتي والعالم العربي حيث ساهمت في تأسيس مدرسة الاستعراب الروسية .

كما عملت في حقل التعليم حيث مارست مهنة التدريس في المعهد الشرقي ، ومعهد الفلسفة واللغة والتاريخ ، ومعهد الاستشراق ، ومعهد العلاقات الدولية ، وفي المدرسة الدبلوماسية العليا.

على أثر اعتراف الاتحاد السوفيتي بدولة إسرائيل ، أرسلت رسالة حادة للزعيم الروسي ستالين تحتج على هذا الاعتراف فتم اعتقالها والزج بها إلى السجن ، ولولا تدخل كراتشكوفسكي وبعض زملائها من الأكاديميين لما تم الإفراج عنها وقضت بقية عمرها في السجن.

من أعمالها:
  • حضارة العرب في الأندلس (ترجمة).
  • دراسات في تاريخ الأدب العربي (ترجمة).
  • اللغة العربية للروس.
  • المنتخبات العصرية لدراسة الآداب العربية.
  • الأدب العربي الحديث.
  • تصوير حياة المرأة العربية المعاصرة في القصة.
  • اللغة المسرحية في الأدب العربي الحديث.
  • حول تاريخ تطور اللغة في البلدان العربية. 

وقد توفيت في الاتحاد السوفيتي في 24/11/1965 ، ودفنت في مقابر العظماء في موسكو ، وكتب على قبرها: "مثلٌ للأحياء يُحتذى".


_________________

.المصدر : كتاب " فلسطينيات " ، امتياز النحال زعرب ، مخطوط

*****

هناك 15 تعليقًا:

  1. أعجبت جداً بما كتبته
    أول مرة أسمع عنها
    وأشعر بالفخر كونها فلسطينية :)
    تحياتي إليك غاليتي

    ردحذف
  2. معلومات ثرية عن شخصية كانت مجعولة لنا رحمه الله فلم أعرفها من قبل إلا ألآن .. شكرا على هذا العرض القيم لشخصيتها العظيمة

    ردحذف
  3. رررررررررررررررررررررروعه وسام على صدر العرب جميييييييييييييييييييييييييييييل

    ردحذف
  4. سبحان الله
    من باطن الألم يولد الابداع
    مثال رائع للصمود ومواجهة الازمات والظروف وتحدى المعوقات
    زمانها كان صعب فى قيمه وقوانينه تجاه المرأة ورغم ذلك واجهت كل الصعاب بتحدى واصرار


    مشكورة غاليتى على تلك المعلومات الطيبة واول مرة اسمع بتلك المرأة الرائعة


    جزاك الله خيرا وبارك فيك
    تحياتى لك ولجهدك الجميل

    ردحذف
  5. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    إنها مثال يجب أن يحتذى

    تحياتى لك سيدتى لطرحك لهذه السيرة الطيبة لهذه الشخصية الرائعة
    رحمها الله تعالى

    ردحذف
  6. أول مرة أسمع عنها بصراحة :)

    حياتها مليئة بالأسى والصمود والطموح

    جميلة أوي السلسلة دي يا امتياز
    مجهود رائع
    تسلمي

    مستنين البقية بقى :)

    ردحذف
  7. الحق يقال لقد تعلمت منك الكثير ودائما موضيعك مميزة و شيقة رشا

    ردحذف
  8. اول مره اسمع بأسمها ...شكرا لتعريفنا بشخصيه متميزه وبانتظار المزيد .

    ردحذف
  9. تسلم يدك
    جميل ان نتعرف على تلك النماذج التى تعطينا دفعه للأمام خاصة عندما تكون أنثى :)


    دمت بخير

    ردحذف
  10. نموذج للمرأة العربية المثابرة التي أدت رسالة اتجاه وطنها ولغتها واتجاه الفكر العالمي ككل..

    أشكرك امتياز على هذا الجهد المتميز
    وعلى هذه الفكرة الرائعة " سلسلة .. هؤلاء"
    لانها ستعطينا ثقافة فريدة عن شخصيات كانت لنا قبل اليوم مجهولة

    بالنسبة لنقطة تهميش كلثوم في طفولتها واتجاهها للتعليم في فكرة قريبة من ذلك نشرت اليوم قصة بعنوان " الجميلة والقبيحة "


    كوني بخير عزيزتي
    وسعيدة بوجودي هنا
    في انتظارجديدك دوما

    ردحذف
  11. جميل البوست

    ياريت بنات العرب يقروا عن هولاء النساء ويكونوا قدوتهن
    بدل هيفاء ونانسي

    تسلم ايدك

    ردحذف
  12. اختى العزيزة

    حمد الله على السلامة

    جميلة جدا السلسلة و جميلة الشخصية

    فى انتظار باقى السلسلة

    تحياتى

    ردحذف
  13. معلومات قيمة لشخصية لم أعرفها من قبل
    لكنها مثال للكفاح و المثابرة و حب الوطن

    ردحذف
  14. لمحة مهمه عن مسيرة تحدي وصمود
    رسالة الى طاغيه .. اهي شجاعه ام ثقه ؟
    مسيرة حولت الالم الى طاقة ..

    اختيار ممتع بإمتياز

    لك مني تحية وسلام

    غريب

    ردحذف
  15. سعيدة بزيارتكم وبتعليقاتكم

    واعذروني للتقصير في الزيارة وفي الردود ..

    ردحذف