# حوليات
(56)
الجمل الذي أنقذ حياة والدي
سافر أبي ذات صيف مع رفاق له ، وكان
يمتطي جملاً كسائر مرافقيه وكانوا خمسة من نفس البلدة التي يقطنها ، كانوا متجهين
نحو العقبة بحثاً عن لقمة العيش ، وفي الطريق وبالقرب من إحدى الهضاب ، أناخ جمل
والدي نفسه وجلس على الأرض ، حاول أبي أن يستحثه على مواصلة السير ولكن الجمل رفض
، حاول أبي ضربه وشده بقوة إلا أنه لم يستجيب له ، فنصحه رفاقه بأن يتركه يستريح ربما
أحس بالتعب.
-
كيف يشعر بالتعب ولم نسر إلا القليل ؟
-
دعك منه .. وانتظره حتى يقوم بنفسه ..
وحاول أن تلحق بنا.
جلس أبي فوق الهضبة يشيع أصدقاءه
بنظرات مليئة بالحقد والغضب على جمله ، ويحاول أن يستكشف طريق سيرهم حتى لا يتوه
عنهم.
وبينما كان والدي يتابعهم ، إذا به
يلمح جيب عسكري إنجليزي وقد أثار عاصفة من الغبار يقترب من رفاقه ومن ثم ينزل
الجنود من الجيب ويأمرون الرجال – رفاق والدي - بالنزول من فوق الجمال ، وقد
أوقفوهم صفاً واحداً ، ودون سابق إنذار قاموا بإطلاق النار عليهم وسقطوا على الأرض
مضرجين بدمائهم ، ومن ثم غادر الجيب العسكري.
كان أبي ينظر إليهم غير مصدق ما رأته
عيناه ، أخذ يركض بكل قوة حتى وصل لرفاقه ، فوجدهم قد فارقوا الحياة جميعًا ، لم
يدري ماذا يفعل ، وقفل عائداً حيث يرقد جمله الذي ما أن رآه حتى انتصب واقفًا وحمل
والدي وعاد به إلى البلدة.
هرع والدي إلى بيت المختار وهو يلهث
..
-
يا مختار .. يا مختار.
-
ما بك يا سليمان.
-
لقد قتلوهم .. قتلوهم جميعًا.
-
من قتل من ..؟؟
-
الجنود الإنجليز قتلوا رفاقي جميعًا.
-
ماذا ؟ كيف حدث ذلك ؟
-
لا أدري يا مختار .. لا أدري ..
رأيتهم وقد أمروهم بأن يقفوا صفاً واحداً ثم أطلقوا النار عليهم ، ولقد تركتهم
خلفي وقد فارقوا الحياة جميعًا ، تركتهم غارقين في دمائهم.
-
يا إلهي .. يا إلهي .. وأين كنت أنت ؟
-
لقد تخلفت عنهم بسبب جملي الذي رفض أن
يكمل المسير معهم !
جمع المختار الرجال وتوجهوا إلى
المكان الذي وصفه أبي لهم ، ووجدوا الرجال ملقين على الأرض ، حملوهم على الجمال
وعادوا إلى البلدة ، وبعد أن قاموا بدفنهم ، عاد أبي إلى البيت منهكًا حزينًا ، طلب
من أمي أن تغطيه باللحاف الثقيل رغم أن الجو كان خانقًا وحاراً .. ولكنه كان محمومًا
و يرتجف .
وفي الصباح ، جلس أبي في فناء البيت
ينظر إلى جمله الراقد هناك ، وتساءل في نفسه: "كيف عرف هذا الجمل بما سوف يحدث ، لو
لم يتوقف خلف الهضبة لكنت الآن ارقد جثة هامدة بجانب رفاقي في القبر ، لقد أنقذت
حياتي أيها الجمل!".
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق