#
حوليات
(256)
أين هو ؟!
الآن ..
يهطل المطر بغزارة ،
أتابعه من وراء نافذة غرفتي وقد التحفت ببطانيتي ، أسرح بجماله الأخاذ ، واشرد
بتفكيري بعيدًا عن الحياة وهمومها والأخبار الصباحية الكئيبة التي تتحدث عن التصعيدات
الإسرائيلية واحتمالية اقتراب شن حرب جديدة على غزة.
اشرد بعيدًا وأتابع
قطرات المطر ، تارةً وهي تسقط على الإسفلت وتارةً أخرى وهي ترتطم بحواف النافذة
محدثة صوتًا موسيقيًا ناعمًا ، أشاهدها وهي تغسل النفوس المتعبة والأرواح المرهقة
، تنظف الشوارع المُتربة والنوافذ المُغبرة وتعيد لوجوه الأشياء ألوانها الأصلية.
استمتعت بذلك الشرود
الذي لم يدم طويلاً ، فقد لمحت بعض الثياب المنشورة على حبل غسيل جارنا العجوز ،
وتساءلت في نفسي أين هو ؟! ولماذا ترك ثيابه على الحبل في هذا الجو الماطر ، ألا
يخاف أن تتبلل الملابس؟
انتظرت ومازلت انتظر
أن يخرج إلى شرفته ويجمع ثيابه لكنه لم يفعل حتى لحظة كتابة هذه الكلمات ، يا ترى
أين هو ؟ شغلني هذا السؤال وأنساني المطر وقطراته ، وبدأت أضع بعض الاحتمالات والكثير
من التصورات والسيناريوهات.
السيناريو الأول:
ربما كان متعبًا منذ
ليلة الأمس بعد أن قضى الساعات الطوال أمام شاشات التلفاز يتابع نشرات الأخبار ،
فلم يغادر سريره حتى الآن.
السيناريو الثاني:
ربما انقطاع التيار
الكهربائي طوال الليل وحتى الساعات الأولى من الصباح أرَّقه وزاد من توتره وحرمه
من النوم ، فحاول أن يعوض تلك الساعات بالنوم في هذا الصباح ونسي أمر المطر
والثياب.
السيناريو الثالث:
ربما غادر مسرعًا هذا
الصباح وتوجه إلى ويسترن يونيون – فرع غزة لإيداع مبلغ من المال لابنه الطالب
المغترب في روسيا والذي لم يعد حتى الآن رغم انقضاء أكثر من عشر سنوات على سفره.
السيناريو الرابع:
ربما أيقظته ابنته المتزوجة
من نومه بعد أن عصفت المشاكل بينها وبين زوجها وطالبته بالتدخل السريع لحل الأزمة
فيما بينهما.
السيناريو الخامس:
ربما خرج هائمًا على
وجهه ، بعد ليلة حرمان طويلة ، يبحث عن شريكة جديدة لحياته بعد رحيل الشريكة
الأولى قبل عشرين عامًا ، لتشاركه في فطوره الصباحي وقهوته ، تعد له الطعام الشهي
بعد أن فقد قدرته على إتقانه ، تغسل له ثيابه وتكويها ولا تنساها على حبل الغسيل
أثناء هطول المطر.
السيناريو السادس:
هو السيناريو المفزع الذي
لا أرغب في تصوره أو حتى التفكير فيه ، وهو إصابته بنوبة قلبية مفاجئة أثناء
إعداده لقهوة الصباح ، أراه وحيدًا بالمنزل ، وأراها قهوة منسكبة على أرضية المطبخ
وبجوارها جسد مسجى غادرته الروح للتو.
توقفت عن كتابة
السيناريوهات المحتملة ، اقتربت من النافذة أكثر والتصقت بها ، نظرت إلى باب
الشرفة المغلق وإلى نباتات الزينة التي رصَّها ، قبل يومين ، على حوافي شرفته وسألتهم
بقلق يشوبه الخوف: أين هو ؟!
لم احصل على إجابة ، ومازلت
انتظر حصولي عليها منذ أكثر من ثلاث ساعات.
******
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق