قرأت قبل فترة رواية " آنا كارنينا " للكاتب الروسي ليو تولستوي ، ولقد وجدتها غير ممتعة بل مملة وكئيبة وخالية من الحس الأدبي ، لا اعرف هل الخلل في تولستوي (!) أم الخلل في مترجم الرواية ، والذي ربما لم يراعي الجانب الأدبي عند الترجمة ، لقد قرأت عدة روايات عالمية لأمثال شكسبير وتشارلز ديكنز وتولستوي وغيرهم الكثير ، لكني بعد قراءة تلك الروايات ، أشعر بأنها لا تشبهني ، فلا البيئة التي ولدت فيها هي بيئتي ولا أبطالها هم أبطالي، ولا موضوعاتها موضوعاتي ولا أفكارها أفكاري ، كما أنني إذا أحببت أن ارتدي عباءة ، أحبها أن تكون عباءتي لا عباءة غيري ، فأنا أحب قراءة القصص والروايات العربية والتي تتحدث عني وعنك ، وعن كل ما هو عربي ، فلماذا اقرأ لكتّاب لا يكتبون لي ، واهجر كتّاب شغلهم الشاغل الكتابة عني وعن قضاياي ومشاكلي وهمومي ، هل أقرأ لهؤلاء الكتّاب الأجانب ليقال عني " واو إنه إنسان مثقف يقرأ روايات عالمية عظيمة " ، أم اقرأ لهؤلاء الكتّاب العرب والذي ربما يقال عني " يييي إنه إنسان متخلف ، مازال يقرأ روايات عربية سخيفة " لماذا أصبح هو المعيار للحكم على المثقف العربي؟ ، عموماً أنا لا أدعو لهجران الروايات والكتب العالمية ، بل على العكس يفضل قراءتها للإطلاع على العوالم المختلفة والتي تحيط بنا ، ولكي نتعرف على أفكار وموضوعات جديدة ، لكن ليس بهذه الصورة ، والتي يقابلها هجران مع سبق الإصرار والتعمد للروايات والكتب العربية .
لماذا لا نقرأ للكتّاب العرب أمثال ابن خلدون والطبري وابن رشد وابن طفيل والغزالي وعباس محمود العقاد ، وأحمد شوقي والمنفلوطي والرافعي والطنطاوي والدكتور مصطفى محمود وغيرهم الكثير والكثير ، إنهم يكتبون باللغة العربية والتي لا توجد لغة على وجه الأرض بجمالها ، وهذا ليس تعصباً مني لأنها لغتي الأم ، بل لأنها لغة القرآن الكريم ، لأنها لغة الضاد ، ولأنها غنية بمترادفاتها وآفاقها وبلاغتها وتنوع مخارج حروفها ، إنها لغة رائعة بكل المقاييس ، على الرغم من الهجمة الشرسة عليها بهدف القضاء عليها وجعلها لغة قديمة مثلها مثل اللغة اللاتينية واستبدالها بلغات أخرى مثل اللغة الانجليزية أو غيرها ،،، واخيراً اتذكر قول الشاعر حافظ إبراهيم وهو يصف حزن اللغة العربية بعد هجران أصحابها لها:
رَجَعتُ لِنَفسي فَاِتَّهَمتُ حَصاتي *** وَنادَيتُ قَومي فَاِحتَسَبتُ حَياتي
رَمَونـي بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني *** عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي
وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي *** رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدتُ بَناتي
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً *** وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَـكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ *** وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ *** فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني *** وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني *** أَخـافُ عَلَيكُم أَن تَحينَ وَفاتي
أَرى لِرِجالِ الغَربِ عِزّاً وَمَنعَةً *** وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ
أَتَوا أَهلَهُم بِالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً *** فَيا لَيتَكُم تَأتونَ بِالكَلِماتِ
أَيُطرِبُكُم مِن جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ *** يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي
وَلَو تَزجُرونَ الطَيرَ يَوماً عَلِمتُمُ *** بِما تَحتَهُ مِن عَثرَةٍ وَشَتاتِ
سَقى اللَهُ في بَطنِ الجَزيرَةِ أَعظُماً *** يَعِزُّ عَلَيها أَن تَلينَ قَناتي
حَفِظنَ وِدادي في البِلى وَحَفِظتُهُ *** لَهُنَّ بِقَلبٍ دائِمِ الحَسَراتِ
وَفاخَرتُ أَهلَ الغَربِ وَالشَرقُ مُطرِقٌ ***حَياءً بِتِلكَ الأَعظُمِ النَخِراتِ
أَرى كُلَّ يَومٍ بِالجَرائِدِ مَزلَقاً *** مِنَ القَبرِ يُدنيني بِغَيرِ أَناةِ
وَأَسمَعُ لِلكُتّابِ في مِصرَ ضَجَّةً *** فَأَعلَمُ أَنَّ الصائِحينَ نُعاتي
أَيَهجُـرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ *** إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ
سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى *** لُعابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ
فَجاءَت كَثَوبٍ ضَمَّ سَبعينَ رُقعَةً *** مُشَكَّلَةَ الأَلوانِ مُختَلِفاتِ
إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ *** بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي
فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيتَ في البِلى *** وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي
وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَـةَ بَعدَهُ *** مَماتٌ لَعمري لَم يُقَس بِمَماتِ
رَمَونـي بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني *** عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي
وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي *** رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدتُ بَناتي
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً *** وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَـكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ *** وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ *** فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني *** وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني *** أَخـافُ عَلَيكُم أَن تَحينَ وَفاتي
أَرى لِرِجالِ الغَربِ عِزّاً وَمَنعَةً *** وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ
أَتَوا أَهلَهُم بِالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً *** فَيا لَيتَكُم تَأتونَ بِالكَلِماتِ
أَيُطرِبُكُم مِن جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ *** يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي
وَلَو تَزجُرونَ الطَيرَ يَوماً عَلِمتُمُ *** بِما تَحتَهُ مِن عَثرَةٍ وَشَتاتِ
سَقى اللَهُ في بَطنِ الجَزيرَةِ أَعظُماً *** يَعِزُّ عَلَيها أَن تَلينَ قَناتي
حَفِظنَ وِدادي في البِلى وَحَفِظتُهُ *** لَهُنَّ بِقَلبٍ دائِمِ الحَسَراتِ
وَفاخَرتُ أَهلَ الغَربِ وَالشَرقُ مُطرِقٌ ***حَياءً بِتِلكَ الأَعظُمِ النَخِراتِ
أَرى كُلَّ يَومٍ بِالجَرائِدِ مَزلَقاً *** مِنَ القَبرِ يُدنيني بِغَيرِ أَناةِ
وَأَسمَعُ لِلكُتّابِ في مِصرَ ضَجَّةً *** فَأَعلَمُ أَنَّ الصائِحينَ نُعاتي
أَيَهجُـرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ *** إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ
سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى *** لُعابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ
فَجاءَت كَثَوبٍ ضَمَّ سَبعينَ رُقعَةً *** مُشَكَّلَةَ الأَلوانِ مُختَلِفاتِ
إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ *** بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي
فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيتَ في البِلى *** وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي
وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَـةَ بَعدَهُ *** مَماتٌ لَعمري لَم يُقَس بِمَماتِ
قلم ودفتر شكرا على تفاعلك ومساندتي في موضوع دعم اللغة العربية
ردحذفأقترح أن ندعو لحملة تدوينة تكون باللغة العربية ويكون هدفها التشجيع على استخدام العربية في شتى المجالات؟
أنتظر ردك
شكرا اخي على المرور ، وانا بساند كل شخص بيدافع عن لغتنا الام ،،،
ردحذفليش لأ ؟ هذا شيء بيشرفني والله ، ابدأ بالفكرة وانا راح اشاركك ان شاء الله بكل ما استطيع فعله من اجل لغتنا الحبيبة
بسم الله وبعد
ردحذفأعجبني :)
أخوك في الله \ أبو مجاهد الرنتيسي
وجهة نظر منطقية جدا وفي محلها تماما
ردحذفشعرت بها من فترة حين كنت أقرأ بعض الكلمات الانجليزية
الغير مترجمة , والحقيقة كانت الكلمات رائعة لكن في
قرارة نفسي وكأنني لم أقرا شيئا نتيجة اختلاف ثقافات
وتفكير وهوية مما يجعل بلا شك هذه الكلمات خاصة بهم
وليس نحن , ايضا لا مانع من قراءتها كنوع من الاطلاع
ومعرفة هذه الثقافات
======
أحييكي على دعمك واهتمامك باللغة العربية
التى صارت اليوم من التحف وصار متحدثوها غرباء
======
في انتظار المزيد من الابداعات
تقبلي مروري
Casper
شكرا اخي ابو مجاهد على المرور
ردحذف********
عند حق اخي كاسبر ، فاللغة العربية اصبحت لغة غريبة في ايامنا هذه ، شكرا على المرور والتعليق
نسيت أن أحيي حضرتك على المدونة
ردحذفتقبل مروري ثانية
Casper
سلوكياتنا واهتمامتنا تنبع من مبادئنا التي ارتسمت لنا منذ النشأة وساهمنا في زيادة عدد صورها في حياتنا.
ردحذففهناك من يحب أن تكون صورته باهية وآخر يحبها زاهدة بالألوان.
مقالة جميلة رزينة كلماتها دقيقة في معانيها اشكرك وعسى أن يحبوا قراءة هم هجروها وتركوها وربما طلقوها .
تحياتي
مخزوق من الحياة
شكرا على البوست الجميل
ردحذفمشكلة الأدب المترجم غالباً تكون فى المترجم كما قلتِ يا عزيزتى ... قد تقرأين الرواية فتكرهينها ثم تقرأينها لمترجم آخر أو بلغتها الأصلية فتعجبك و كم حدث معى هذا :)
ردحذفعلى ذكر اللغة العربية سبق و أن كتبت عن امتهان اللغة العربية على مدونتى :
http://reeeshkalam.blogspot.com/2010/07/blog-post_8749.html
أنا ما زلت أذكر يوم قرأت أنا كارنينا! في الجامعة في سنة أولى، وكانت إحدى أول الروايات التي أعادتني إلى عالم القراءة، ما زلت أذكر تخيّلي للمنزل والأب والعائلة والخ الخ، أذكر أنّي أحببتها، ربما لأن خيالي واسع ولأن الرواية تسمح لك برسم الكثير من التفاصيل، فلذلك اسمحيلي أن أختلف معك. وفي النهاية، الرواية تحكي قصة إنسانية، لربما لا تشبهنا بعض التفاصيل لكن في بالأول وبالآخر المأساة مأساة إنسانية أعتقد أنّه لا يصعب الشعور بها.
ردحذفأما بالنسبة للعربي، فأنا مع قراءة الأدب العربي، بداية بالحالي ثم بالقديم، او بين الاثنين، أجد ابراهيم نصرالله، صنع الله ابراهيم وغيرهم كثيرون جديرين بالقراءة. في مكتبتي أكوام من الكتب "عالدور"، عربية وإنجليزية أو مترجمة، المشكلة في الوقت فقط.
امتياز اعذريني على التعليق خارج نطاق التدوينة ,, لكني بحاجة لمرسالتك بخصوص لقاء يجمع مدوني غزة .. برجاء مراسلتي عبر ايميلي : olanan2008@gmail.com
ردحذفشكرا الك
فعلا المشكلة في الوقت ، فنحن نعيش عصر السرعة في كل شيء ، لم يعد لدينا الوقت الكافي للاختلاء بأنفسنا للقراءة ، اخي ناصر ، الرواية " انا كارنينا " هي من روائع ليو تولستوي ، بس انا قصدت ان قصتها غريبة عن واقعنا العربي من زنا وخيانة ثم انتحار ، أفكار غريبة لا تليق بديننا ولا بعاداتنا وتقاليدنا ، أيضا المترجم للرواية هو المخطئ لعدم ترجمته الجيدة للرواية حتى نستمتع على الأقل بنص أدبي جميل بغض النظر عن فكرة الرواية المنفرة " من وجهة نظري " والدليل على اني استمتعت بالفيلم العربي " نهر الحب " المأخوذ عن الرواية اكثر من الرواية ، لان المخرج حاول تمصير بعض الأحداث حتى تصبح مقبولة من وجهتنا ،،
ردحذفبالنسبة لابراهيم نصر الله وصنع الله ابراهيم للاسف لم اقرأ لهم شيئا على الرغم من اني اسمع بانهم كتّاب رائعين ، والسبب شح الكتب عندنا في فلسطين واذا وجدت كانت غالية الثمن ، بالاضافة إلى اني لا احب القراءة من الكمبيوتر
واخيرا شكرا على المرور والتعليق
****
أختي امتياز
ردحذفشكرا لك لموضوعك المهم والقيم وأنا من أنصار اللغة العربية لغتي ولغة القرآن التي أفتخر بها ولو علم الناس ما فيها من جمال ما تركوها وابتدعوا لهجات وثقافات غريبة عنا أنا لا أنفي أنه جميل متابعة وقراءة الكتب الاجنبية ولكن مع التأكيد على أهمية المحافظة على لغتنا
دمت أختي بخير
كتير حلو الموضوع أكره ما عليا الي بكتبوا انجليزي معرب بعصب منهم لازم ما نخاف على اللغة العربية لانها لغة القرآن , فمهما تركنها راح نرجعلها بعد هيك
ردحذفالبعض يا عزيزتي يتفاخر بالأسماء الأجنبية الرنانة .. ويقول أن قرأت لفلان من الأدباء العالميين .. لأنه يعتقد أنهم وحدهم من حققوا النجاح ..
ردحذفولأنه لم يحاول أن يوسع مداركه .. فهو لا يعلم الزخم التاريخي والمشرف للعرب ولمن كتبوا بها ..
جزاك الله خير الجزاء على هذا الطرح الهادف .. فلغتنا اللغة العربية هي اللغة الخالدة.
شكرا على البوست
ردحذفشكرا اخوتي على المرور والتعليق
ردحذف.
ردحذف.
الكتابة العربية يبقى جمالها وقدسيتها مهما توالى فوقها الوقت ..
شكرا لك لهذه اللافته المهمة
لُبنى
ردحذفصحيح كلامك اختي .. تبقى هي الجميلة والممتعة.