الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

أثقل من رضوى



# حوليات

(108)

في بيتنا كتاب

أثقل من رضوى

لـ / رضوى عاشور

 
زارتني رضوى عاشور في شقتي المتواضعة في مدينة غزة حيث مكثت في ضيافتي ثلاثة أيام ، كانت زيارتها خفيفة أخف من نسمة باردة على أعتاب فصل الشتاء .

تهمس في أذني هل أنا ضيفة " ثقيلة " ، أرد عليها بنظرة عتب على هذا السؤال : بل أنت مُرحب بكِ في كل وقت يا عزيزتي.

بدايةً حدثتني عن رحلتها العلاجية إلى أمريكا ، وعن مشاعرها الفياضة تجاه أحداث الثورة المصرية وهي بعيدة هناك ، قلت لها : أني كنت من المتابعين لحالتها الصحية وأخبارها عبر صفحة زوجها والذي كان يطمئننا عليها باستمرار ويهدئ من روعنا بعد كل جراحة تجريها.

لكن من رأي وجرَّب غير من سمع ، قالت لي بالتفصيل كل ما حدث معها ، الفحوصات والتحاليل والعمليات الجراحية ، حاولتْ أن تبدو متماسكة في حكيها ، وحاولت أنا أن احبس دموعي وخوفي عليها.

ولكي تخفف عني وطأة الحديث وتخفف عني أيضًا رائحة الميكروكروم التي تسللت إلى أنفي ، كلما جاء الحديث عن المستشفيات التي امقتها وأخافها في نفس الوقت ، غيرتْ الموضوع فتحدثت عن جدها الدكتور عبد الوهاب ووالدتها مية ووالدها المحامي مصطفى وإخوانها وأولاد العائلة.

أخبرتني عن ذكريات طفولتها في مدرسة ليسيه فرانسيه ، عرفتني بأسماء بعض الشوارع في القاهرة، أعادت على مسامعي بعض من قصائد تميم وجزء من قصيدة مُريد في رثاء محمود درويش.

تشعب الحديث عدة مرات وعرجنا على أخبار وقصص الجامعة والطلبة ، ولم تنسى أن تحدثني عن الشهيدين بإذن الله جهاد موسى وعلاء عبد الهادي وطلبة الأزهر الذين تعرضوا للتسمم.

قالت لي بأنها زارت مدونة المُدون أحمد جمال وقد أعجبت بكتاباته ، ولم أخبرها طبعًا بشعوري بالغيرة منه على اعتبار أني أنا الأخرى مُدونة ويحق لي بزيارة - ولو خاطفة - منها لمدونتي المتواضعة!

كم اشعر بالغيرة من نوارة نجم ومن الحدادين والجواهين ومن طلبتها الذين يحق لهم رؤيتها والحديث معها وجهًا لوجه ، كنتُ انظر إليهم بعين الغبطة وأقول : " يا بختهم " ، أما أنا فتفصلني عنها آلاف الكيلومترات !

عندما تحدثت عن شقة بيير المطلة على ميدان التحرير ورؤيتها للمليونية ذكرتني بشقة سليمان المطلة على ساحة السرايا والذي شاهدنا منها مليونية – إن صح التعبير –  حركة فتح في حفل ذكرى انطلاقتها الـ 48، وشعوري آنذاك بالرهبة وربما الخوف والكثير من النشوة لمجرد التفكير بأنك جزء من الحدث ، ولست مجرد مشاهد له من خلف شاشة صماء.

وعندما أتت على سيرة أحمد الشحات تذكرت إبراهيم تايه والذي سقط ميتًا بعد أن حاول رفع العلم على عمود الضغط العالي في تلك المليونية.

أما شعبان مكاوي والذي أبكتني قصته جداً ، فقد بحثت عنه في جوجل ولم أجد عنه شيئًا يُذكر باستثناء كتابه : التاريخ الشعبي للولايات المتحدة.

شعرت باستغراب لأنها لم تستفيض في الحديث عن حرب غزة ، بل مرت عليه مرور الكرام ولم تذكر شيء حول مشاعرها أو رأيها ، ذكرت فقط زيارة تميم الخاطفة لقطاع غزة ، ربما لانشغالها بالشأن المصري الداخلي أو انشغالها بوضعها الصحي لكن بالتأكيد أنه لم يكن لا مبالاة أو عدم اكتراث منها.

عندما عادت لتتكلم في الفصول التالية عن رحلتها الثانية للعلاج ، تذكرت أمي رحمة الله عليها ، وربطت بين إصرار تميم وندمه على إجراء والدته للجراحة رغم عدم رغبتها في ذلك بإصراري وندمي أنا أيضًا على إجراء غسيل الكلى لأمي والتي رضخت لإصراري رغم عدم رغبتها في ذلك ، لقد أبلغتني أن جسدها الواهن لن يتحمل غسيل الكلى ، وأنها سوف تموت أثناء عملية الغسيل ، ولقد ماتت فعلاً في بداية العملية!

خبأت دموعي وواصلت استماعي لحديثها الشائق رغم المحنة التي مرت بها في العمليات الأخيرة ، وعندما اقتربت الزيارة من نهايتها ، أخبرتني بأحد أسرارها وهو قدرتها على التنكر ، فهي كما تصف نفسها " أستاذة في التنكر " ، ضحكت معها وقلت لها كم تشبهيني أو بالأصح كم أشبهك يا جميلة ، فأنا مثلك تمامًا ، أؤمن بنظرية المؤامرة ، وعندي اكتئاب مزمن وعصبية " ولا يعرف هذا إلا ضحاياي : زوجي وأطفالي !" وعندما يقول زوجي لأحدهم كم أنا عصبية ، يستغربون ويعتقدون بأنه يتحدث عن امرأة أخرى غير زوجته الهادئة والرقيقة (!) ، فأنا أيضًا يا أستاذتي .. أستاذة في التنكر!

عمومًا ، حان موعد انتهاء الزيارة ، كم سعدت بحضورك الرائع الطاغي ، هكذا هي أوقات السعادة تأتي بلا موعد وتنتهي دون أن نشعر.

أتمنى أن تتكرر الزيارة ، أتمنى أن تكوني بخير دائمًا وأبداً .

وأبدًا .. أبدًا .. لم تكوني ثقيلة .

















هناك تعليقان (2):