الأحد، 12 يناير 2014

أين نذهب يا بابا ؟


# حوليات
(196)
في بيتنا كتاب
أين نذهب يا بابا لـ / جون لوي فورنييه


عزيزي ماتيو
عزيزي توماس
راودني ذات مرة إغراء أن أمنحكما كتابا ولكني لم أفعل ذلك ، لم يكن لهذا داع فأنتما لا تعرفان القراءة ولن تقرءا أبدا، ستكون هداياكما حتى النهاية مكعبات أو سيارات صغيرة.
سأمنحكما كتابا، كتابا كتبته لأجلكما، حتى لا ننساكما، حتى لا تبقيان فقط صورة علي بطاقة عدم الأهلية، أردت كتابة أشياء لم أقلها يوما، ربما تبكيتا، لم أكن أبا صالحا بما يكفي، لم أحتملكما في أغلب الوقت، كان من الصعب أن يحبكما أحد، معكما كان يلزم صبر الملائكة، ولم أكن ملاكا.

وقفت حائرة في تقييم هذا الكتاب ليس من ناحية كم نجمة يستحق حسب مقياس الجودريدز ولكن من الناحية الإنسانية ، لقد أثر هذا الكتاب في نفسي بدرجة عميقة للغاية ، ولم يخفى عني الألم الذي حاول الكاتب أن يغلفه بقشرة من السخرية.

الكاتب الساخر جون لوي يتحدث عن ولديه المعاقين وعن شعوره بالحزن والحسرة تجاههما ، وعن تخيلاته وأحلامه فيما لو كانا طبيعيين.

كان صريحًا وصادقًا في كشف مشاعره ، لم يزيف ، لم يجمل كلماته ، لم يحاول أن يستدر عطفنا وشفقتنا، لم يكذب ويقل لنا بأنه كان أبًا مثاليًا ، تحدث عن لحظات ضعفه ولحظات قوته ، كان يهرب من الألم والكارثة التي حلت على رأسه بالسخرية منها في محاولة منه للتغلب عليها أو حتى تقبلها أو ربما حتى يتجنب نظرات الشفقة من قبل الآخرين.

تخيل طفل يسألك أكثر من مائة مرة في اليوم : " أين نذهب يا بابا ؟ " ماذا سوف تكون ردة فعلك ، نحن نضجر من أطفالنا الأصحاء الأسوياء عندما يكثرون من أسئلتهم الفضولية والتي لا يملون من تكرارها فما بالك بأب رُزق بطفلين معوقين جسديًا وذهنيًا ؟!؟

كان الله في عون الكاتب ، لقد شعرت بالتعاطف والتعاضد معه ، كأب منكوب ، رغم كل شيء ورد على لسانه ضد أطفاله ، ربما لأنني مررت بتجربة شبيهة بتجربته حيث كان لدي أخ مريض بالصرع ، لذلك فأنا أعي تمامًا معنى أن يكون لديك طفل معوق ذهنيًا ، كنت أرى والدتي رحمة الله عليها ، كيف وهي التي كانت كتلة من الحنان المتدفق ، كيف كانت تفقد أعصابها من تصرفات أخي الهوجاء وتدعو عليه بالموت لترتاح منه ، لكنها في الواقع كانت أشد الناس حرصًا على حياته حيث كانت تقوم على راحته وتوفر له كل متطلباته ، كانت تهتم بشؤونه أكثر من أخوته الأصحاء ، تعتني بنظافة جسده ومأكله وملبسه لكن هذا لم يمنعها في لحظات ضعفها - على قلتها - من أن تتفوه بأقوال سيئة بحقه لكن سرعان ما تعود إلى طبيعتها الحنونة ، كانت أكثرنا تحملاً له ولتصرفاته المجنونة !

كنا نسألها ونحن صغار عن أحب أطفالها لقلبها ، فكانت تجيب : الصغير حتى يكبر والغريب حتى يعود والمريض حتى يشفى !

كان أخي المعاق المريض من أحب أطفالها لقلبها وكانت حتى أخر يوم في حياتها تبحث عن علاج له سواء أكان طبيًا أم شعبيًا رغم أن الأطباء أكدوا لنا عدم الجدوى من العلاج وأنه سوف يبقى هكذا حتى يموت ، لكنها لم تيأس وكانت تحاول وتحاول حتى رحلت عن عالمنا هذا ، وكانت دائمًا توصينا به خيرًا .

من رأى وعايش وعاشر وخَبِرْ ليس كمن سمع ، وأرى أن جون لوي كان شجاعًا عندما اخرج هذا الكتاب للنور وهو بهذا السرد يخلد ذكرى ولديه اللذين لو كانا عند أبوين آخرين لكانا أخفوهما عن الناس وعزلوهما عن البشر والحياة خجلاً منهما ورفضًا لهما.

هذا الكتاب يحتوي على جرعة كبيرة من الألم والنكد وإن كان مغلف بقشرة واهنة من السخرية ، سوف تضحك قليلًا وتبكي كثيرًا لأنك سمحت لنفسك بالضحك أولًا ؟!؟

الحمد لله على نعمة الصحة ، وحفظ الله أولادنا جميعًا وأبعد عنهم الشر والسوء والمرض.





****



هناك تعليقان (2):

  1. I have never heard of this book!
    Sad but warm n th same time

    ردحذف
  2. هو كتاب من سلسلة الجوائز ، جميل ومؤلم ويستحق القراءة

    ردحذف