الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013

شهادتي على حرب غزة الثانية (الجزء 4)


# حوليات
(142)
شهادتي على حرب غزة الثانية
في الذكرى الأولى للحرب
الجزء (4)

وضع زوجي قطعًة من البلاستيك على النافذة بعد أن قام بجمع شظايا الزجاج وتنظيف السجادة ، ثم وضعنا بعض الفرشات الأسفنجية في منتصف الصالة بعيدًا عن النافذة وقررنا قضاء ليلتنا هنا مع أطفالنا لأن الصالة كانت في منتصف الشقة وبعيدة عن الشارع ، منعًا لحدوث قصف أخر ربما يستهدف منزلًا أكثر قُربًا. كانت غرف نومنا تطل على الشارع وكانت أكثر عرضة للخطر من داخل الشقة ، لذلك ارتأينا أن نبقى في الصالة.

كانت ليلة طويلة جدًا علينا ، لم يتوقف الهاتف عن الرنين ، الكل يطلب منا الذهاب إلى مدينة رفح فهم يعتقدون أنها أكثر أمنًا من غزة ، أو على الأقل وجودنا بجانب الأهل والأقارب قد يخفف عنهم ويجنبهم التفكير الزائد بنا وبوضعنا بعيدًا عنهم في ظل هذه الحرب المستعرة.

كان الوضع مأساويًا ، لم يتوقف القصف مطلقًا بمعدل صاروخ كل دقيقة ، وعلى ما يبدو أنهم قصفوا محطة توليد الكهرباء ، فلقد انقطع التيار الكهربائي ، وبقينا على ضوء شمعة طوال الليل ، نحسب عدد الصواريخ التي تسقط والمدة بين سقوط كل صاروخ والذي يليه ، كان نوعًا من التسلية حتى يمضي الوقت لكن سرعان ما شعرنا بالملل وعدم قدرتنا على متابعة العد بانتظام ، وبقينا على هذا الحال حتى الصباح حيث عاد التيار من جديد.

خرج زوجي لاستكشاف المكان والاستطلاع عن الوضع ، كان أكثر ما يخيف الناس في الشارع هو تكرار ما حدث في حرب غزة الأولى عندما اجتاحت قوات الاحتلال الحي وعاثت فيه تدميرًا وقتلًا ، كانت ذكرى الحرب الأولى هي المسيطرة ، فالجميع كان خائفًا من الاجتياح البري للجيش الإسرائيلي ، وكان الشغل الشاغل للجميع هو التفكير في البقاء في الحي أم مغادرته.

لم تكن تلك الأيام أيامًا جيدة بالنسبة لأهالي الحي الذين يحملون ذكريات صعبة وأليمة عن الحرب الأولى.

عاد زوجي من الخارج وقد وجدني نائمة بعد ليلة صعبة لم نذق فيها طعم النوم من شدة القصف والخوف ، كنت أنام وأنا مرتدية ثوب الصلاة كاملًا ، استعدادًا لأي طارئ ، فلو سقط صاروخ على بيتنا أو بالقرب منه فلن أتمكن من ارتداء شيء ، وقد كان يرعبني منظر النسوة التي وقعت تلك الصواريخ على منازلهن حيث رأيتهن يغادرن تلك المنازل أمام عدسات الكاميرات وهن بحالٍ يرثى لها.

أخبرني زوجي برغبته في الذهاب إلى رفح فالموت مع الجماعة رحمة ، لكني رفضت وفضلت البقاء في بيتي ، إذا قُدر لي الموت ، فلا أريد أن أموت بعيدًا عن بيتي!

توالت المكالمات طوال اليوم ، الجميع يريدنا أن نذهب إلى رفح ، فحي تل الهوى غير آمن ، كانت المكالمات في البداية عبارة عن نصائح ثم تحولت مع مرور الوقت وانتصاف النهار إلى توسلات من أجل الصغار.

لم اقتنع حتى تلك اللحظة بضرورة المغادرة حتى جاء الليل ، وعاد القصف يشتد أكثر فأكثر ، أصبحت الأصوات أقوى وأقوى ، قام زوجي هذه المرة بإنزال كل شبابيك البيت ، خوفًا من تحطمها.

تعالت الأصوات وأصبحت قريبة جدًا جدًا ، كان كل صاروخ يهبط وكأنه يهبط فوق رؤوسنا ، كان الأمر لا يحتمل.

ورغم ذلك ، وهذا من رحمة الله بنا ، كان أحمد وراما يغطون في نومٍ عميق ، وكأنهم لا يسمعون أي صوت!

صواريخ لا تهدأ من الطرفين ، صواريخ محلية الصنع تخرج بصوت ضعيف يكاد يسمع ، بينما يسقط بعدها بقليل صاروخ إف 16 أو صاروخ اباتشي يزلزل الأرض من تحت أقدامنا.

كان الاستهداف في هذه الليلة لمبنى تابع لوزارة الداخلية ومساحة خالية خلف مبنى الهلال الأحمر وكلاهما يقع في المربع الذي نسكن به ، كان الغبار يملأ المكان والخوف أيضًا!

قضينا ليلتنا في الاستماع إلى الراديو ، بعد انقطاع التيار الكهربائي في الليلة الثانية للحرب وكان من الطريف في ساعات الصباح الأولى أن مذيع أحد المحطات الفلسطينية المحلية ، لا اذكر هل كانت إذاعة القدس أم الوطن ، كان هذا المذيع يرى من المكان الذي يبث منه الصواريخ وهي تسقط على حي تل الهوى ، فكان يصرخ عبر الأثير ، الآن يسقط صاروخ على تل الهوى ، وما هي إلا ثوانٍ كنا نسمع صوت ارتطامه بالهدف ، كان ذلك التنبيه من المذيع يخفف عنا قليلاً ، أن تدرك أن الصاروخ قادم وسوف يسقط ، فأنت تستعد له نفسيًا وتتهيأ لسقوطه وهو بالتأكيد أفضل من أن تُفاجئ به.

لم نصدق أن الشمس قد أشرقت ومازلنا على قيد الحياة بعد هذه الليلة الطويلة والتي كانت أصعب من سابقتها.

وهنا .. وافقت على مغادرة هذا الجحيم المستعر في حينا الهادئ ، كان السبب الرئيسي في تغيير رأيي هو الشعور بالخطر الذي يقترب وبسرعة ، فالمسألة لم تقتصر على مجرد قصف لمواقع محددة بل هي حرب شاملة تكشر عن أنيابها في وجه الجميع ، كنتُ خائفة على الأولاد وعلى زوجي من القصف العشوائي ومن الاجتياح البري المحتمل للحي ، بالإضافة إلى شعوري بالغربة والوحدة والاكتئاب ، كنت بحاجة لـ الوَنَس ، بحاجة إلى العائلة ، للأحاديث التي تجنبني التفكير في الحرب المستعرة ، كما كانت عبارة " الموت مع الجماعة رحمة " ترن في أذني باستمرار وبرتابة وملل أيضًا.

لكن كيف سوف نغادر الحي ولم يتم الإعلان عن هدنة ، هل المغادرة آمنة وهل سوف نتمكن من الوصول إلى رفح وكيف السبيل إلى ذلك؟!

يتبع ..

****



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق