# حوليات
(139)
شهادتي على حرب غزة الثانية
في الذكرى الأولى للحرب
14 / 11 / 2012
الجزء (1)
الجزء (1)
أخبرت السائق أني أريد أن الذهاب إلى قاعة السلام بالقرب من
ميناء غزة ، كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة بعد الظهر ، كان الجو صافيًا ونسمات
رقيقة تقتحم نافذة السيارة باتجاهي ، أخذت نفسًا عميقًا وحاولت استرجاع آخر مرة
غادرت فيها المنزل وحدي.
بعد إنجابي لطفلي الثاني أحمد ، مكثت في المنزل فترة طويلة وفي
المرات القليلة التي خرجت فيها منه كنت بصحبة زوجي وأطفالي الاثنين ، كنت بداخلي
أريد استراحة ولو قليلة ، وقت مستقطع من أمومتي ، أريد أن أمارس شيئًا أحبه وأفضله
بعيدًا عن المسئوليات العائلية ، شيءٌ صغيرٌ يشعرني بكينونتي كإنسانة ، لذلك ما أن
وصلتني رسالة من رابطة الكُتاب والأدباء تخبرني فيها بأن هناك حفل توقيع أربع
دواوين شعرية لشاعرات شابات حيث يُقام الحفل في قاعة السلام على شاطئ بحر غزة ، حتى
بدأت في إقناع زوجي بضرورة خروجي للعالم بمفردي وأني بحاجة لاستراحة قليلة من
أعبائي المنزلية كأم وزوجة ، وأنه يجب عليه كزوج وأب أن يتحمل مسئولية الطفل
الجديد بالإضافة إلى ابنتنا الأخرى.
وفي اليوم الموعود ، ارتديت ملابسي على عجل وطلبت سيارة خصوصي
لأني لا اعرف المكان بالضبط ولا أريد أن أتأخر عن الحفل.
عندما وصلت للمكان ، نزلت من السيارة وعدلت من هندامي ،
استنشقت المزيد من الهواء المنعش القادم من البحر ومشيت بهدوء نحو المبنى مستمتعة
بمشاهدة بعض الطيور البيضاء على الشاطئ القريب.
كان يسرع الخطى لدرجة أنه كاد أن يرتطم بي على الدرج المؤدي
للقاعة أثناء صعودي ، شابٌ قصير القامة يبدو من سترته أنه يتبع لإحدى قنوات
التلفاز ، كان مسرعًا وكأنه لا يرى أمامه ، استهجنت فعلته وواصلتي صعودي.
عندما دخلت القاعة كانت مكتظة بالجمهور ولا مكان للجلوس إلا
بجوار طاقم التلفاز الذي يصور الحفل وقلت في نفسي يا ليتني أحضرت نظارتي الطبية
معي.
كان الحفل قد بدأ وكانت هناك شاعرة تلقي قصيدة على المنصة ،
انتبهت للشاب الذي كاد أن يصدمني ، كان مهمومًا ويتحدث بصوت منخفض مع أحد المصورين
، وفجأة دخل القاعة الدكتور نبيل فاروق يتبعه الشاعر عبد الرحمن يوسف والكاتب كريم
الشاذلي وشخصٌ أخر لم أتعرف عليه.
فوجئت بهم عندما مروا من أمامي وتوجهوا للمنصة حيث تم الترحيب
بهم ، فقد جاءوا للمشاركة في معرض الكتاب الذي أقيم قبل فترة بالإضافة إلى إقامتهم
لبعض ورش العمل والندوات الثقافية والأدبية ، واليوم أحبوا أن يفاجئوا الشاعرات
بحضورهم في حفل التوقيع.
شعرت بالسعادة الغامرة فكاتبي المفضل في مرحلة طفولتي والكاتب
الذي أمتعني بكتبه عن المرأة وعن الزواج بالإضافة إلى الشاعر الذي أثار فضولي
بعلاقته الغريبة مع والده الشيخ ، ورفضه أن يناديه أحد باسم عائلته "
القرضاوي" ، كل هؤلاء أراهم أمامي ، في غزة ، غزة المحاصرة ، وكأن الخارج
الذي حرمنا من رؤيته قد أتى بنفسه إلينا هنا!!
بعد الترحيب بالضيوف الكرام ، شعرت بأن هناك بعض الحضور قد
بدءوا بالمغادرة مبكرًا ، وكانت هناك غمغمات وهمهمات في القاعة ، وإذا بدمعة تسقط
من عين الشاب المصور بجانبي ، سألت الفتاة الجالسة بجانبي : " ما الأمر ؟
" ، قالت لي بأن هناك إشاعات بأن طائرة إسرائيلية قد اغتالت قائد كتائب عز الدين
القسام/ أحمد الجعبري ، لكن المعلومات غير مؤكدة حتى الآن.
فوجئت بالأمر وتذكرت الشاب الذي حاول الاصطدام بي ، يبدو أنه
قد سمع الخبر ، فأسرع لإخبار زملائه ، الآن فهمت الأمر.
بعد أن خفت أعداد الحضور ، لمحت مقعدًا فارغًا في المقدمة ،
أسرعت الخطى وجلست بالقرب من المنصة حتى أتمكن من رؤية الضيوف الكرام والاستماع
لهم جيدًا ، ففي الخلف لم يكن الصوت واضحًا.
وقف عريف الحفل وأعلن بصوتٍ متهدجٍ نبأ اغتيال الجعبري ، وإذا
بالضيوف والأساتذة الأفاضل والحضور قد غرقوا في بكاء ونحيب ، ثم ما لبثوا أن
استكملوا الحفل ، فلم يشأ أحد أن يكسر خاطر أصغر شاعرة ضمن الأربع شاعرات وقد كانت
الأخيرة وهي التي تمنت أن يكون حفل توقيع ديوانها الأول حفلًا مميزاً وفي يومٍ لا
ينسى ، اعترف الآن بأنه كان كذلك.
مسحت دمعةً سالت على خدي ، كان سببها رؤيتي لهذه الهامات
الأدبية الفلسطينية والمصرية العريقة والتي تحتل المنصة وقد سكن الحزن عيونها التي
فاضت بدموع حارة على الشهيد الجعبري.
لقد تأثرت بدموعهم أكثر بكثير من خبر الاغتيال نفسه ، فهذه
الحادثة تتكرر هنا في غزة من وقت لأخر ، استهداف رجال المقاومة هذا شيء طبيعي وقد
اعتدنا على حدوثه ، ولم يكن الجعبري أول ولا أخر من تغتاله آلة الحرب الإسرائيلية
الهمجية.
بعد عدة كلمات حارة ومقتضبة من الأدباء المصريين ، انتهى الحفل
وغادر الجميع القاعة ، والكل يتساءل ما الذي سوف يحدث الآن ؟ فقد كانت إسرائيل
تهدد منذ فترة بشن حرب شاملة على غزة.
يتبع ..
*****
ان شاء الله ربنا يستر .. غزة دايما رمز الصمود :)
ردحذفرووعة كثير :)
ردحذفيعطيكي العافية
شكراً لمروركم وتعليقكم.
ردحذف